( فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ) . أي : من مسألة الرؤية في الدنيا . قاله مجاهد ، أو ومن سؤالها قبل الاستئذان ، أو عن صغائري حكاه الكرماني ، أو قال ذاك على سبيل الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه عند ظهور الآيات على ما جرت به عادة المؤمن عند رؤية العظائم ، وليست توبة عن شيء معين ، أشار إليه ابن عطية ، وقال : ( قال سبحانك ) أنزهك عن ما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها ( تبت إليك ) من طلب الرؤية ، فإن قلت : فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فمم تاب ، قلت : عن إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه من غير إذن فيه من الله تعالى فانظر إلى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية ، وكيف أرجف الجبل بطالبيها ، وجعله دكا ، وكيف أصعقهم ، ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر ، وكيف سبح ربه ملتجئا إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال : أنا أول المؤمنين ، ثم تعجب من المتسمين بالإسلام بالمتسمين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ، [ ص: 386 ] ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم ، والقول ما قاله بعض العدلية فيهم : الزمخشري
لجماعة سموا هواهم سنة وجماعة حمر لعمري مؤكفه
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا شنع الورى فتستروا بالبلكفه
وهو ، وسب لأهل السنة والجماعة على عادته ، وقد نظم بعض علماء السنة على وزن هذين البيتين وبحرهما ، أنشدنا الأستاذ العلامة تفسير على طريقة المعتزلة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بغرناطة إجازة إن لم يكن سماعا ونقلته من خطه ، قال أنشدنا القاضي الأديب العالم أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه القاضي أبي بكر من نظمه :
شبهت جهلا صدر أمة أحمد وذوي البصائر بالحمير المؤكفه
وزعمت أن قد شبهوا معبودهم وتخوفوا فتستروا بالبلكفه
ورميتهم عن نبعة سويتها رمي الوليد غدا يمزق مصحفه
وجب الخسار عليك فانظر منصفا في آية الأعراف فهي المنصفه
أترى الكليم أتى بجهل ما أتى وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه
وبآية الأعراف ويك خذلتم فوقفتم دون المراقي المزلفه
لو صح في الإسلام عقدك لم تقل بالمذهب المهجور من نفي الصفه
إن الوجوه إليه ناظرة بذا جاء الكتاب فقلتم هذا السفه
فالنفي مختص بدار بعدها لك لا أبا لك موعدا لن تخلفه
وأنشدنا قاضي القضاة أبو القاسم عبد الرحمن ابن قاضي القضاة أبي محمد بن عبد الوهاب بن خلف العلامي بالقاهرة لنفسه :
قالوا يريد ولا يكون مراده عدلوا ولكن عن طريق المعرفه
( وأنا أول المؤمنين ) قال ، ابن عباس ومجاهد : من مؤمني بني إسرائيل ، وقيل : من أهل زمانه إن كان الكفر قد طبق الآفاق ، وقال أبو العالية بأنك لا ترى في الدنيا ، وقال : بأنك لست بمرئي ولا مدرك بشيء من الحواس ، وقال أيضا بعظمتك وجلالك ، وأن شيئا لا يقوم لبطشك وبأسك . انتهى . وتفسيره الأول على طريقة المعتزلة ، وقد ذكر متكلمو أهل السنة دلائل على رؤية الله تعالى سمعية وعقلية يوقف عليها وعلى حجج الخصوم في كتب أصول الدين . الزمخشري