ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا إن كان اتخذ معناه : عمل وصنع ، فلا بد من تقدير محذوف يترتب عليه هذا الإنكار ، وهو : فعبدوه وجعلوه إلها لهم ، وإن كان المحذوف : إلها ، أي : اتخذوا : عجلا جسدا له خوار إلها ، فلا يحتاج إلى حذف جملة ، وهذا استفهام [ ص: 393 ] إنكار ; حيث عبدوا جمادا أو حيوانا عاجزا ، عليه آثار الصنعة ، لا يمكن أن يتكلم ولا يهدي ، وقد ركز في العقول أن من كان بهذه المثابة استحال أن يكون إلها ، وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى الاحتجاج النظري ، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي ، والظاهر أن يروا بمعنى : يعلموا ، وسلب تعالى عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية ; لأن انتفاء القدرة وانتفاء هذين الوصفين ، وهما : العلم والقدرة ، يستلزمان باقي الأوصاف ، فلذلك خص هذان الوصفان بانتفائهما .
اتخذوه وكانوا ظالمين ، أي : أقدموا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع وكانوا واضعين الشيء في غير موضعه ، أي : من شأنهم الظلم ، فليسوا مبتكرين وضع الشيء في غير موضعه ، وليس عبادة العجل بأول ما أحدثوه من المناكر ، قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون الواو واو الحال ، انتهى ، يعني في : وكانوا والوجه الأول أبلغ في الذم ، وهو الإخبار عن وصفهم بالظلم وأن شأنهم ذلك ، فلا يتقيد ظلمهم بهذه الفعلة الفاضحة .