قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ، أي : رجع من المناجاة ، يروى أنه لما قرب من محلة بني إسرائيل سمع أصواتهم ، فقال : هذه أصوات قوم لاهين ، فلما تحقق عكوفهم على عبادة العجل داخله الغضب والأسف وألقى الألواح . وقال : أخبره تعالى قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل فلذلك رجع وهو غاضب ، ويدل على هذا القول قوله : الطبري فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري الآية ، و غضبان : من صفات المبالغة والغضب غليان القلب بسبب حصول ما يؤلم ، وذكروا أنه - عليه السلام - كان من أسرع الناس غضبا وكان سريع الفيئة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : كان إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته و أسفا من أسف فهو أسف ، كما تقول فرق فهو فرق ، يدل على ثبوت الوصف ، ولو ذهب به مذهب الزمان لكان على فاعل ، فيقال : آسف ، والآسف : الحزين ، قاله ابن عباس والحسن والسدي ، أو الجزع ، قاله مجاهد ، أو المتلهف أو الشديد الغضب ، قاله ، الزمخشري وابن عطية قال : وأكثر ما يكون بمعنى الحزين أو المغضب ، قاله ابن قتيبة ، أو النادم قاله القتبي أيضا ، أو متقاربان قاله الواحدي ، قال : فإذا أتاك ما تكره ممن دونك غضبت ، أو ممن فوقك حزنت ، فأغضبه عبادتهم العجل ، وأحزنه فتنة الله إياهم ، وكان قد أخبره بذلك بقوله : فإنا قد فتنا قومك من بعدك وتقدم الكلام على بئسما في أوائل [ ص: 395 ] البقرة ، والخطاب إما للسامري وعباد العجل ، أي : بئسما قمتم مقامي حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى ، وإما لوجوه بني إسرائيل : هارون والمؤمنين حيث لم يكفوا من عبد غير الله ، و خلفتموني يدل على البعدية في الزمان ، والمعنى هنا : من بعد ما رأيتم مني توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له ، أو من بعد ما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن ما طمحت إليه أبصارهم من عبادة البقر ، ومن حق الخلف أن يسير سيرة المستخلف ولا يخالفه ، ويقال : خلفه بخير أو شر ، إذا فعله عن ترك من بعده . أعجلتم استفهام إنكار ، قال : يقال : عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ، ونقيضه تم عليه ، وأعجله عنه غيره ، ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته ، فيقال : عجلت الأمر ، والمعنى : أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار الزمخشري موسى حافظين لعهده وما وصاكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ، ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم ، وروي أن السامري قال لهم حين أخرج إليهم العجل : هذا إلهكم وإله موسى ، إن موسى لن يرجع ، وإنه قد مات ، انتهى . وقال ابن عطية : معناه أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني من قبل الوقت الذي قدرته ، انتهى ، وقال يعقوب : يقال : عجلت الشيء سبقته ، وأعجلت الرجل استعجلته ، أي : حملته على العجلة ، انتهى ; وقيل : معناه أعجلتم ميعاد ربكم أربعين ليلة ; وقيل : أعجلتم سخط ربكم ; وقيل : أعجلتم بعبادة العجل ; وقيل : العجلة التقدم بالشيء في غير وقته ، قيل : وهي مذمومة ، ويضعفه قوله : وعجلت إليك رب لترضى والسرعة المبادرة بالشيء في غير وقته وهي محمودة .