فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة . أي أقضيها وأقدرها ، والضمير عائد على الرحمة لأنها أقرب مذكور ، ويحتمل عندي أن يعود على حسنة في قوله : واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة أي فسأكتب الحسنة ، وقاله ابن عباس ونوف البكالي وقتادة ، والمعنى متقارب ، لما سمع إبليس : وابن جريج ورحمتي وسعت كل شيء تطاول لها إبليس ، فلما سمع : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة يئس ، وبقيت اليهود والنصارى ، فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويئس النصارى واليهود من الآية ، وقال أهل التفسير : عرض الله هذه الخلال على قوم موسى ، فلم يتحملوها ولما انطلق وفد بني إسرائيل إلى الميقات ، قيل لهم : خطت لكم الأرض مسجدا وطهورا إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، فقالوا : لا نستطيع فاجعل السكينة في التابوت ، والصلاة في الكنيسة ، ولا نقرأ التوراة إلا عن نظر ، ولا نصلي إلا في الكنيسة ، فقال الله تعالى : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال نوف البكالي : إن موسى عليه السلام قال : يا رب جعلت وفادتي لأمة محمد ، قال نوف : فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم ، ومعنى يتقون قال وفرقة : الشرك ، وقالت فرقة : المعاصي ، فمن قال الشرك لا غير ، خرج إلى قول ابن عباس المرجئة ، ويرد عليه من الآية شرط الأعمال بقوله : ويؤتون الزكاة ، ومن قال : المعاصي ولا بد خرج إلى قول المعتزلة ، قال ابن عطية : والصواب أن تكون اللفظة عامة ، ولكن لا نقول : لا بد من اتقاء المعاصي ، بل نقول : مواقع المعاصي في المشيئة ، ومعنى يتقون يجعلون بينهم وبين المتقى حجابا ووقاية ، فذكر تعالى الرتبة العالية ليتسابق السامعون إليها ، انتهى ، ويؤتون الزكاة : الظاهر أنها زكاة المال وبه قال وروي عنه : ويؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم ، وقال ابن عباس الحسن : تزكية الأعمال بالإخلاص ، انتهى ، ولما كانت التكاليف ترجع إلى قسمين : تروك وأفعال ، والأفعال قسمان : راجعة إلى المال وراجعة إلى نفس الإنسان ، وهذان قسمان : علم وعمل ، فالعلم المعرفة ، والعمل إقرار باللسان ، وعمل بالأركان ، فأشار بالاتقاء إلى التروك ، وبالفعل الراجح إلى المال بالزكاة ، وأشار إلى ما بقي بقوله : والذين هم بآياتنا يؤمنون وهذه شبيهة بقوله هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الآية ، وفهم المفسرون من قوله : الذين يتقون إلى آخر الأوصاف إن المتصفين بذلك هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون من باب التغاير بين المعطوف والمعطوف عليه ، فيكون قوله : للذين يتقون ويؤتون الزكاة لمن فعل ذلك قبل الرسول ، ويكون قوله : والذين هم بآياتنا يؤمنون من فعل ذلك بعد البعثة ، وفسر الآيات هنا بأنها القرآن ، وهو الكتاب المعجز .