[ ص: 405 ] قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت لما ذكر تعالى لموسى - عليه السلام - صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن من أدركه وآمن به أفلح ، أمر تعالى نبيه بإشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة ، والدعاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكلماته واتباعه ، ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة للإنس والجن ، قاله الحسن وتقتضيه الأحاديث ، والذي في موضع نصب على المدح أو رفع ، وأجاز أن يكون مجرورا صفة لله ، قال : وإن حيل بين الصفة والموصوف بقوله : إليكم ، وقال الزمخشري أبو البقاء : ويبعد أن يكون صفة لله أو بدلا منه لما فيه من الفصل بينهما بـ إليكم وبالحال و إليكم متعلق بـ رسول و جميعا حال من ضمير إليكم ، وهذا الوصف يقتضي الإذعان والانقياد لمن أرسله إذ له الملك ، فهو المتصرف بما يريد ، وفي حصر الإلهية له نفي الشركة ; لأن من كان له ملك هذا العالم لا يمكن أن يشركه أحد ، فهو المختص بالإلهية ، وذكر الإحياء والإماتة إذ هما وصفان لا يقدر عليهما إلا الله ، وهما إشارة إلى الإيجاد لكل شيء يريده الإعدام ، والأحسن أن تكون هذه جملا مستقلة من حيث الإعراب وإن كانت متعلقا بعضها ببعض من حيث المعنى . وقال : لا إله إلا هو بدل من الصلة التي هي الزمخشري له ملك السماوات والأرض وكذلك يحيي ويميت ، وفي لا إله إلا هو بيان للجملة قبلها لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة ، وفي يحيي ويميت بيان لاختصاصه بالإلهية ; لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره ، انتهى ، وإبدال الجمل من الجمل غير المشتركة في عامل لا نعرفه ، وقال الحوفي : يحيي ويميت في موضع الخبر لأن ( لا إله ) في موضع رفع بالابتداء ( وإلا هو ) بدل على الموضع ، قال : والجملة أيضا في موضع الحال من اسم الله تعالى ، انتهى ، يعني من ضمير اسم الله ، وهذا إعراب متكلف .
فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون لما ذكر أنه رسول الله أمرهم بالإيمان بالله ، وبه عدل عن ضمير المتكلم إلى الظاهر ، وهو الالتفات لما في ذلك من البلاغة بأنه هو النبي السابق ذكره في قوله : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وأنه هو المأمور باتباعه الموجود بالأوصاف السابقة ، والظاهر أن كلماته هي الكتب الإلهية التي أنزلت على من تقدمه وعليه ، ولما كان الإيمان بالله هو الأصل يتفرع عنه الإيمان بالرسول والنبي بدأ به ، ثم أتبعه بالإيمان بالرسول ، ثم أتبع ذلك بالإشارة إلى المعجز الدال على نبوته ، وهو كونه أميا ، وظهر عنه من المعجزات في ذاته ما ظهر من القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين ، مع [ ص: 406 ] نشأته في بلد عار من أهل العلم ، لم يقرأ كتابا ولم يخط ولم يصحب عالما ، ولا غاب عن مكة غيبة تقتضي تعلما . وقيل : وكلماته : المعجزات التي ظهرت من خارج ذاته ، مثل انشقاق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وهي تسمى بكلمات الله لما كانت أمورا خارقة غريبة ، كما سمي عيسى عليه السلام - لما كان حدوثه أمرا غريبا خارقا - كلمة ، وقرأ مجاهد وعيسى : ( وكلمة ) ، وحد وأراد به الجمع ، نحو : أصدق كلمة قالتها العرب قول لبيد ، وقد يقولون للقصيدة : كلمة ، وكلمة فلان ، وقال مجاهد والسدي : المراد بكلماته وكلمته ، أي : بعيسى لقوله : وكلمته ألقاها إلى مريم ; وقيل : كلمة كن التي تكون بها عيسى وسائر الموجودات ، وقرأ : الذي يؤمن بالله وآياته ، بدل كلماته ، ولما أمروا بالإيمان بالله ورسوله وذلك هو الاعتقاد أمروا بالاتباع له فيما جاء به ، وهو لفظ يدخل تحته جميع التزامات الشريعة ، وعلق رجاء الهداية باتباعه . الأعمش