ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ساء بمعنى بئس ، وتقدم لنا أن أصلها التعدي ، تقول : ساءني الشيء يسوءني ، ثم لما استعملت استعمال بئس بنيت على فعل وجرت عليها أحكام بئس ، ومثلا تمييز للضمير المستكن في ساء فاعلا ، وهو مفسر بهذا التمييز ، وهو من الضمائر التي يفسرها ما بعدها ، ولا يثنى ولا يجمع على مذهب البصريين ، وعن الكوفيين خلاف مذكور في النحو ، ولا بد أن يكون المخصوص بالذم من جنس التمييز ، فاحتيج إلى تقدير حذف ، إما في التمييز ، أي : ساء أصحاب مثل القوم ، وإما في المخصوص ، أي : ساء مثلا مثل القوم ، وهذه الجملة تأكيد للجملة السابقة ، وقال أبو عبد الله الرازي : ظاهره يقتضي أن يكون ذلك المثل موصوفا بالسوء وذلك غير جائز ; لأن هذا المثل ذكره الله تعالى فكيف يكون موصوفا بالسوء ؟ فوجب أن يكون الموصوف بالسوء ما أفاده المثل من تكذيبهم بآيات الله وإعراضهم عنها حتى صاروا في التمثيل لذلك بمنزلة الكلب اللاهث ، انتهى ، وليس كما ذكر ، ليس هنا ضرب مثل ، والمثل لفظ مشترك بين الوصف وبين ما يضرب مثلا ، والمراد هنا الوصف ، فمعنى : مثله كمثل الكلب ، أي : وصفه وصف الكلب ، وليس هذا من ضرب المثل ، بل كما قال : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ، أي : صفتهم كصفة الذي استوقد ، وكقوله : مثل الجنة التي وعد المتقون ، أي : صفتها ، وإذا تقرر هذا فقوله : ساء مثلا معناه : بئس وصفا ، فليس من ضرب المثل في شيء ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر : ساء مثل بالرفع [ ص: 426 ] القوم بالخفض ، واختلف على والأعمش الجحدري ، فقيل : كقراءة ; وقيل : بكسر الميم وسكون الثاء وضم اللام مضافا إلى : القوم والأحسن في قراءة المثل بالرفع أن يكتفى به ، ويجعل من باب التعجب ، نحو : لقضو الرجل ، أي : ما أسوأ مثل القوم ، ويجوز أن يكون كبئس على حذف التمييز على مذهب من يجيزه ، التقدير : ساء مثل القوم ، أو على أن يكون المخصوص : الأعمش الذين كذبوا على حذف مضاف ، أي : بئس مثل القوم مثل : ( الذين ) كذبوا لتكون الذين مرفوعا ; إذ قام مقام مثل المحذوف ، لا مجرورا صفة للقوم على تقدير حذف التمييز .
وأنفسهم كانوا يظلمون يحتمل أن يكون معطوفا على الصلة ، ويحتمل أن يكون استئناف إخبار عنهم بأنهم كانوا يظلمون أنفسهم ، على طريقته في أن تقديم المفعول يدل على الحصر ، فقدره : وما ظلموا إلا أنفسهم بالتكذيب ، قال : وتقديم المفعول به لاختصاص ، كأنه قيل وخصوا أنفسهم بالظلم ، ولم يتعد إلى غيرها . والزمخشري