سيجزون ما كانوا يعملون ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه قال [ ص: 429 ] مقاتل : دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن ، فقال أبو جهل : أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا ، فما بال هذا يدعو اثنين ؟ فنزلت ، ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه ذرأ كثيرا من الجن والإنس للنار ذكر نوعا منهم وهم : الذين يلحدون في أسمائه وهم أشد الكفار عتيا أبو جهل وأضرابه ، وأيضا لما نبه على أن دخولهم جهنم هو للغفلة عن ذكر الله والمخلص من العذاب هو ذكر الله ، أمر بذكر الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، والقلب إذا غفل عن ذكر الله وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في الحرص ، وانتقل من رغبة إلى رغبة ، ومن طلب إلى طلب ، ومن ظلمة إلى ظلمة ، وقد وجدنا ذلك بالذوق ، حتى إن أحدهم ليصلي الصلوات كلها قضاء في وقت واحد ، فإذا انفتح على قلبه باب ذكر الله تعالى تخلص من آفات الغفلة وامتثل ما أمره الله به ، واجتنب ما نهى عنه .
قال : التي هي أحسن الأسماء ; لأنها لا تدل على معان حسنة من تحميد وتقديس وغير ذلك ، انتهى ، فالحسنى هي تأنيث الأحسن ، ووصف الجمع الذي لا يعقل بما يوصف به الواحدة ، كقوله : الزمخشري ولي فيها مآرب أخرى ، وهو فصيح ، ولو جاء على المطابقة للجمع لكان التركيب الحسن على وزن الأخر ، كقوله : فعدة من أيام أخر ; لأن جمع ما لا يعقل يخبر عنه ويوصف بجمع المؤنثات ، وإن كان المفرد مذكرا ; وقيل : الحسنى مصدر وصف به ، قال ابن عطية : والأسماء هاهنا : بمعنى التسميات إجماعا من المتأولين لا يمكن غيره ، انتهى . ولا تحرير فيما قال ; لأن التسمية مصدر ، والمراد هنا الألفاظ التي تطلق على الله تعالى ، وهي الأوصاف الدالة على تغاير الصفات لا تغاير الموصوف ، كما تقول : جاء زيد الفقيه الشجاع الكريم ، وكون الاسم الذي أمر تعالى أن يدعى به حسنا هو ما قرره الشرع ونص عليه في إطلاقه على الله ، ومعنى : فادعوه بها ، أي : نادوه بها ، كقولك : يا الله يا رحمن يا مالك وما أشبه ذلك ، وقال : فسموه بتلك الأسماء ، جعله من باب دعوت ابني عبد الله ، أي : سميته بهذا الاسم ، واختلف في الاسم الذي يقتضي مدحا خالصا ، ولا تتعلق به شبهة ولا اشتراك ، إلا أنه لم يرد منصوصا هل يطلق ويسمى الله تعالى به ، فنص القاضي الزمخشري على الجواز ، ونص أبو بكر الباقلاني على المنع ، وبه قال الفقهاء والجمهور ، وهو الصواب ، واختلف أيضا في الأفعال التي في القرآن ، كقوله تعالى : أبو الحسن الأشعري الله يستهزئ بهم و ويمكرون ويمكر الله هل يطلق عليه منه تعالى اسم فاعل مقيد بمتعلقه فيقال الله مستهزئ بالكافرين وماكر بالذين يمكرون ، فجوز ذلك فرقة ، ومنعت منه فرقة ، وهو الصواب ، وأما إطلاق اسم الفاعل بغير قيده فالإجماع على منعه ، وروى الترمذي في جامعه من حديث النص على تسعة وتسعين اسما مسرودة اسما اسما ، قال أبي هريرة ابن عطية : وفي بعضها شذوذ ، وذلك الحديث ليس بالمتواتر وإن كان قد قال فيه أبو عيسى : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من طريق حديث ، وهو ثقة عند أهل الحديث ، وإنما المتواتر منه قول النبي : صفوان بن صالح . ومعنى أحصاها عدها وحفظها وتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والعبرة في معانيها ، وهذا حديث إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، انتهى . البخاري
وتسمية هذا الحديث متواترا ليس على اصطلاح المحدثين في المتواتر ، وإنما هو خبر آحاد .
وفي بعض دعاء رسول الله : يا حنان يا منان ولم يردا في جامع الترمذي ، وقد صنف العلماء في شرح أسماء الله الحسنى كأبي حامد الغزالي وابن الحكم بن برجان وأبي عبد الله الرازي وغيرهم ، قال وأبي بكر بن العربي : ويجوز أن يراد : ولله الأوصاف الحسنى ، وهي الوصف بالعدل والخير والإحسان وانتفاء شبه الخلق ، وصفوه بها : الزمخشري وذروا الذين يلحدون في صفاته ، فيصفونه بمشيئة القبائح وخلق الفحشاء والمنكر ، وبما [ ص: 430 ] يدخل في التشبيه كالرؤية ونحوها ; وقيل : معنى قوله : وذروا الذين يلحدون في أسمائه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم ، قاله ابن زيد ، فتكون الآية على هذا منسوخة بالقتال ; وقيل : معناه الوعيد ، كقوله : ذرني ومن خلقت وحيدا ، وقوله : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا وقال : واتركوا تسمية الذين يميلون عن الحق والصواب فيها فيسمونه بغير الأسماء الحسنى ، وذلك أن يسموه بما لا يجوز عليه ، كما سمعنا البدو بجهلهم يقولون : يا أبا المكارم يا أبيض الوجه يا سخي ، أو أن يأبوا تسميته ببعض أسمائه الحسنى ، نحو : أن يقولوا : يا الله ، ولا يقولوا : يا رحمن ; وقيل : معنى الإلحاد في أسمائه : تسميتهم أوثانهم اللات نظرا إلى اسم الله تعالى ، والعزى نظرا إلى العزيز ، قاله الزمخشري مجاهد ، ويسمون الله أبا وأوثانهم أربابا ، ونحو هذا ، وقال : معنى ( يلحدون ) يكذبون ، وقال ابن عباس قتادة : يشركون ، وقال الخطابي : الغلط في أسمائه والزيغ عنها إلحاد ، وقرأ حمزة : يلحدون بفتح الياء والحاء ، وكذا في النحل والسجدة ، وهي قراءة ابن وثاب والأعمش وطلحة وعيسى ، وقرأ باقي السبعة بضم الياء وكسر الحاء فيهن و سيجزون وعيد شديد ، واندرج تحت قوله : ما كانوا يعملون الإلحاد في أسمائه وسائر أفعالهم القبيحة .