وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ( وأن ) معطوف على ( ما ) في قوله : وما خلق ، وبخوا على انتفاء نظرهم في ملكوت السماوات والأرض وهي أعظم المصنوعات وأدلتها على عظمة الصانع ، ثم عطف عليه شيئا عاما ، وهو قوله : وما خلق الله من شيء فاندرج السماوات والأرض في ما خلق ، ثم عطف عليه شيئا يخص أنفسهم ، وهو انتفاء نظرهم وتفكرهم في أن أجلهم قد اقترب ، فيبادرهم الموت على حالة الغفلة عن النظر في ما ذكر فيئول أمرهم إلى الخسار وعذاب النار ، نبههم على الفكر في اقتراب الأجل لعلهم يبادرون إليه ، وإلى طلب الحق وما يخلصهم من عذاب الله قبل مقانصة الأجل ، وأجلهم وقت موتهم ، وقال : يجوز أن يراد باقتراب الأجل اقتراب الساعة ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ضمير الشأن ، وخبرها عسى وما تعلقت به ، وقد وقع خبر الجملة غير الخبرية في مثل هذه الآية ، وفي مثل : الزمخشري والخامسة أن غضب الله عليها فـ غضب الله عليها جملة دعاء ، وهي غير خبرية ، فلو كانت أن مشددة لم تقع عسى ولا جملة الدعاء لها ، لا يجوز : علمت أن زيدا عسى أن يخرج ، ولا علمت أن زيدا لعنه الله ، وأنت تريد الدعاء ، وأجاز أبو البقاء أن تكون أن هي المخففة من الثقيلة ، وأن تكون مصدرية يعني أن تكون الموضوعة على حرفين ، وهي الناصبة للفعل المضارع ، وليس بشيء ; لأنهم نصوا على أنها توصل بفعل متصرف مطلقا ، يعنون ماضيا ومضارعا وأمرا ، فشرطوا فيه التصرف ، وعسى فعل جامد فلا يجوز أن يكون صلة لأن ، وعسى هنا تامة ، وأن يكون فاعل بها ، نحو : قولك عسى [ ص: 433 ] أن تقوم ، واسم يكون ، قال الحوفي : أجلهم ، وقد اقترب الخبر ، وقال وغيره : اسم يكون ضمير الشأن ، فيكون قد اقترب أجلهم في موضع نصب ، في موضع خبر يكون ، وأجلهم فاعل باقترب ، وما أجازه الزمخشري الحوفي فيه خلاف ، فإذا قلت كان يقوم زيد فمن النحويين من زعم أن زيدا هو الاسم ، ويقوم في موضع نصب على الخبر ، ومنهم من منع ذلك ويجعل في ذلك ضمير الشأن ، والجواز اختيار ابن مالك ، والمنع اختيار ابن عصفور ، وقد ذكرنا هذه المسألة مستوفاة التقسيم والدلائل في شرحنا لكتاب التسهيل .فبأي حديث بعده يؤمنون معنى هذه الجملة وما قبلها : توقيفهم وتوبيخهم على أنه لم يقع منهم نظر ولا تدبر في شيء من ملكوت السماوات والأرض ، ولا في مخلوقات الله تعالى ، ولا في اقتراب آجالهم ، ثم قال : فبأي حديث ، أو أمر يقع إيمانهم وتصديقهم ; إذ لم يقع بأمر فيه نجاتهم ودخولهم الجنة ، ونحوه قول الشاعر :
فعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
والمعنى : إذا لم أقاتل عن نفسي فكيف أقاتل عن غيرها ؟ ولذلك إذا لم يؤمنوا بهذا الحديث الذي هو الصدق المحض وفيه نجاتهم وخلاصهم ، فكيف يصدقون بحديث غيره ؟ والمعنى : أنه ليس من طباعهم التصديق بما فيه خلاصهم ، والضمير في بعده للقرآن ، أو الرسول وقصته وأمره ، أو الأجل ; إذ لا عمل بعد الموت ، أقوال ثلاثة . قال : ( فإن قلت ) : بم يتعلق قوله : الزمخشري فبأي حديث بعده يؤمنون ، ( قلت ) : بقوله : عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ، كأنه قيل : لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت ؟ ما ينتظرون بعد وضوح الحق ؟ وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا ؟
من يضلل الله فلا هادي له نفى نفيا عاما أن يكون هاد لمن أضله الله ، فتضمن اليأس من إيمانهم والمقت بهم .
ويذرهم في طغيانهم يعمهون قرأ الحسن وقتادة وأبو عبد الرحمن وأبو جعفر والأعرج وشيبة والحرميان وابن عامر ( ونذرهم ) بالنون ورفع الراء ، وأبو عمرو وعاصم بالياء ورفع الراء ، وهو استئناف إخبار قطع الفعل ، أو أضمر قبله ونحن ، فيكون جملة اسمية ، وقرأ ابن مصرف والأعمش والأخوان وأبو عمرو فيما ذكر أبو حاتم بالياء والجزم ، وروى خارجة عن نافع بالنون والجزم ، وخرج سكون الراء على وجهين : أحدهما : أنه سكن لتوالي الحركات ، كقراءة : وما يشعركم ، وينصركم ، فهو مرفوع ، والآخر أنه مجزوم عطفا على محل : فلا هادي له ، فإنه في موضع جزم ، فصار مثل قوله : فهو خير لكم ويكفر ، في قراءة من قرأ بالجزم في راء ونكفر . ومثل قول الشاعر :
أنى سلكت فإنني لك كاشح وعلى انتقاصك في الحياة وازدد