ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها هذا استفهام إنكار وتعجيب وتبيين أنهم جماد لا حراك لهم ، وأنهم فاقدون لهذه الأعضاء ، ومنافعها التي خلقت لأجلها ، فأنتم أفضل من هذه الأصنام أذلكم هذا التصرف ، وهذا الاستفهام الذي معناه الإنكار قد يتوجه الإنكار فيه إلى انتفاء هذه الأعضاء وانتفاء منافعها ، فيتسلط النفي على المجموع كما فسرناه ; لأن تصويرهم هذه الأعضاء للأصنام ليست أعضاء حقيقة ، وقد يتوجه النفي إلى الوصف ، أي : وإن كانت لهم هذه الأعضاء مصورة فقد انتفت هذه المنافع التي للأعضاء ، والمعنى : أنكم أفضل من الأصنام بهذه الأعضاء النافعة ، وأم هنا منقطعة فتقدر ببل والهمزة ، وهو إضراب على معنى الانتقال لا على معنى الإبطال ، وإنما هو تقدير على نفي كل واحدة من هذه الجمل ، وكان ترتيب هذه الجمل هكذا ; لأنه بدئ بالأهم ثم أتبع بما هو دونه إلى آخرها ، وقرأ الحسن والأعرج ونافع بكسر الطاء ، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بضمها ، وقال أبو عبد الله الرازي : تعلق بعض الأغمار بهذه الآية في إثبات هذه الأعضاء لله تعالى ، فقالوا : جعل عدمها للأصنام دليلا على عدم إلهيتها ، فلو لم تكن موجودة له تعالى لكان عدمها دليلا على عدم الإلهية ، وذلك باطل فوجب القول بإثباتها له تعالى ، والجواب من وجهين ، أحدهما : أن المقصود من الآية أن الإنسان أفضل وأكمل حالا من الصنم ; لأنه له رجل ماشية ويد باطشة وعين باصرة وأذن سامعة ، والصنم وإن صورت له هذه الأعضاء بخلاف الإنسان ، فالإنسان أكمل وأفضل فلا يشتغل بعبادة الأخس الأدون ، والثاني : أن المقصود تقرير الحجة التي ذكرها قبل وهي ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون يعني كيف يحسن عبادة من لا يقدر على النفع والضر ، ثم قرر أن هذه الأصنام انتفت عنها هذه الأعضاء ومنافعها ، فليست قادرة على نفع ولا ضر ، فامتنع كونها آلهة ، أما الله تعالى فهو وإن كان متعاليا عن هذه الأعضاء ، فهو موصوف بكمال القدرة على النفع والضر وبكمال السمع والبصر ، انتهى ، وفيه بعض تلخيص .