وقد كنت في الحرب ذا تدرأ فلم أعط شيئا ولم أمنع
أي : لم أعط شيئا مرضيا . وقيل : متعلق المنفي الرعب ، ومتعلق المثبت الحصيات ، أي : وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت الحصيات ، وقال : يعني أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة ; لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها إلا ما يبلغه رمي البشر ، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ، فأثبت الرمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن صورة الرمي وجدت منه ، ونفاها عنه لأن أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله ، فكان الله تعالى هو فاعل الرمي حقيقة ، وكأنها لم توجد من الرسول أصلا ، انتهى ، وهو راجع لمعنى القولين أولا ، وتقدم خلاف الزمخشري الفراء في لكن وما بعدها عند قوله : ولكن الشياطين كفروا وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا قال : ينصرهم وينعم عليهم ، يقال : أبلاه إذا أنعم عليه ، وبلاه إذا امتحنه ، والبلاء يستعمل للخير والشر ، ووصفه بحسن يدل على النصر والعزة ، قال السدي : وليعطيهم عطاء جميلا ، كما قال : الزمخشري
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
انتهى ، والبلاء الحسن قيل : بالنصر والغنيمة ; وقيل : بالشهادة لمن استشهد يوم بدر ، وهم أربعة عشر رجلا منهم ، عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومهجع مولى عمر ، ومعاذ وعمرو ابنا عفراء أنه [ ص: 478 ] قال : لولا أن المفسرين اتفقوا على حمل البلاء هنا على النعمة لكان يحتمل المحنة للتكليف بما بعده من الجهاد حتى يقال : إن الذي فعله تعالى يوم بدر كان السبب في حصول تكليف شاق عليهم فيما بعد ذلك من الغزوات ، انتهى . وسياق الكلام ينفي أن يراد بالبلاء المحنة ; لأنه قال : وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فعل ذلك ، أي : قتل الكفار ورميهم ، ونسبة ذلك إلى الله ، وكان ذلك سبب هزيمتهم والنصر عليهم وجعلهم نهبة للمؤمنين ، وهذا ليس محنة بل منحة إن الله سميع عليم لما كانوا قد أقبلوا على المفاخر بقتل من قتلوا وأسر من أسروا ، أو كان ربما قد لا يخلص العمل من بعض المقاتلين إما لقتال حمية ، وإما لدفع عن نفس ، أو إما ختمت بهاتين الصفتين ، فقيل : إن الله سميع عليم لكلامكم وما تفخرون به عليم بما انطوت عليه الضمائر ، ومن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا . ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين قال : ذلكم إشارة إلى البلاء الحسن ، ومحله الرفع وأن الله موهن معطوف على وليبلي يعني أن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين ، انتهى ، وقال ابن عطية : ذلكم إشارة إلى ما تقدم من قتل الله ورميه إياهم ، وموضع ذلك من الإعراب رفع ، قال : التقدير : الأمر ذلكم ، وقال بعض سيبويه النحويين : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير : فعل ذلك ، ( وأن ) معطوف على ذلكم ، ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ مقدر تقديره : وحتم وسابق وثابت ، ونحو هذا ، انتهى ، وقال الحوفي : ذلكم رفع بالابتداء والخبر محذوف ، والتقدير : ذلكم الأمر ، ويجوز أن يكون ذلكم الخبر والأمر الابتداء ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ، تقديره : فعلنا ذلكم ، والإشارة إلى القتل وإلى إبلاء المؤمنين بلاء حسنا ، وفي فتح أن وجهان النصب والرفع عطفا على ذلكم على حسب التقديرين ، أو على إضمار فعل ، تقديره : واعلموا أن الله موهن ، انتهى ، وقرأ الحرميان وأبو عمرو : موهن ، من وهن ، والتعدية بالتضعيف فيما عينه حرف حلق غير الهمزة قليل ، نحو : ضعفت ووهنت ، وبابه أن يعدى بالهمزة ، نحو : أذهلته وأوهنته وألحمته ، وقرأ باقي السبعة والحسن وأبو رجاء والأعمش وابن محيصن من أوهن ، وأضافه حفص .