[ ص: 127 ] الباب العاشر
في العزل
: هو فسخ الولاية ورد المتولي كما كان قبلها ، كفسخ العقود في البيع وغيره ، وكما انقسم ذلك في العقود إلى الفسخ والانفساخ ، انقسم ها هنا إلى العزل والانعزال ، وهذا كله متفق عليه بين العلماء . العزل
وفي الباب سبعة فروع : في الانعزال . في الجواهر : ينعزل بما لو قارن التولية منع انعقادها وما تقدم معهما ، وكذلك كالكفر والجنون على المشهور ، وقال طريان الفسق أصبغ : لا ينعزل بطريانه ، ولا يجب على الإمام عزله عند مالك .
الفرع الثاني
في جواز العزل وفي الجواهر : قال أصبغ : ينبغي ، وإن أمن عليه الجور ؛ لأنه من بذل النصح للمسلمين ، وهو واجب على الإمام ، وقال للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن أو بطانة السوء مطرف : إذا كان مشهورا بالعدالة والرضا فلا يعزله بالشكاية فقط ، وإن وجد منه بدلا نفيا لمفاسد العزل ، وإن لم يكن مشهورا بذلك عزله إذا وجد بدلا وتظاهرت الشكاية عليه ، فقد عزل [ ص: 128 ] عمر سعدا _ رضي الله عنه _ لما شكاه أهل العراق ؛ ولأن من لا يقال فيه ، أصلح للناس ممن يقال فيه ، فإن لم يجد بدلا كشف عنه ، فإن وجده كما يجب أمضاه وإلا عزله ، قال أصبغ : أحب إلي أن يعزله بالشكاية وإن كان مشهورا بالعدالة ، فلا أفضل في زماننا من سعد إذا وجد من يساويه لما فيه من تأديب القضاة وصلاح الناس ، وإذا علمت الشكاية وتظاهرت أوقفه بعد العزل للناس ، فيرفع من يرفعه ويحقق من يحقق فقد أوقف عمر سعدا فلم يصح عليه شيء من المكروه ، خرجه ، وقال البخاري أشهب : إذا اشتكي في أحكامه وميله بغير الحق ، كشف عنه قل شاكوه أو كثروا فيبعث إلى رجال من أهل بلده ممن يثق بهم ، فيسألهم عنه سرا فإن صدقوا قول الشكاة عزله ، وينظر في أقضيته فيمضي ما وافق الحق ويرد ما خالفه ، وإن قال المسئولون : لم نعلم إلا خيرا أو هو عدل عندنا أثبته ونفذ أقضيته ، فما خالف السنة رده وما وافقها أمضاه ، ويحمل على أنه لم يعمل جورا ولكنه أخطأ ، وقد قال عمر _ رضي الله عنه _ لما عزل سعدا عن الكوفة بالشكية : لا يسابق قوم عزل واليهم فيشكونه إلا عزلته وعزل عمر شرحبيل فقال له : أعن سخط عزلتني ؟ فقال لا ، ولكني وجدت من هو مثلك في الصلاح وهو أقوى على عملي ، فلم أر يحل لي إلا ذلك قال : يا أمير المؤمنين ، إن عزلك عيب فأخبر الناس بعذري ، ففعل عمر . قال مطرف وأشهب : وينبغي للإمام أن لا يغفل عن القضاة فإنهم سنام بره ورأس سلطانه ، فلينظر في أقضيتهم وينفذها ، وينظر في رعيته وأحكامها وظلم بعضها لبعض ، فإن الناس يستن بعضهم بسنة بعض ، وليس لبعض من الفضل على بعض ما يسع [ ص: 129 ] الإمام أن يتخلى عنهم ، وإن يكلهم إلى قضاتهم ، وكان عمر _ رضي الله عنه _ يقدم معهم من أهل عملهم رجالا ، فإن أرادوا بدل عاملهم عزله وأمر غيره ، ثم حيث عزل الإمام قاضيا فإن كان لريبة أو سخط : فحق عليه إشهاره أو لغير ريبة فليخبر الناس ببراءته إن شاء كما فعله عمر _ رضي الله عنه _ .
الفرع الثالث
في الجواهر : إذا نظر قضاته وحكامه حتى يعلموا رأي من بعده ، وكذلك القاضي يوليه والي المصر ، ثم الموالي فهو قاض حتى يعزله الذي بعده ؛ لأن الولاية فيهم حق للمسلمين لا تبطل بموته كبيعه وشرائه لهم مات الإمام الأعظم لا يبطل النكاح ؛ ولأنها سنة الخلفاء الراشدين ؛ ولأن في ذلك ضرا عظيما على الناس وقاله الأئمة . وكولي المرأة إذا زوجها ثم مات
الفرع الرابع :
قال ابن يونس : قال : إذا ثبت الحق وأراد التسجيل فحضر الإمام عرف فنهاه أن يبطل لأحد حتى ينصرف فيستجل له بعد نهي الإمام ، فإن ذلك يمضي . وفي النوادر : قال سحنون أصبغ : إذا توجه الحكم على أحد الخصمين فاستغاث بالأمير الجائر فنهاه عن النظر في ذلك أو يعزله عنه ، فلينفذه ولا ينظر إلى نهي الأمير إلا أن يعزله رأسا وإن كانا في ابتداء أمرهما قبل ظهور الحق ونهوض الحجج ، تركهما قال أشهب : إذا اشتكي أنه أراد الحكم بغير الحق كشف ، فإن تبين خطؤه لأهل العلم نهاه عن إنفاذه وإن تيسر على الإمام جمعهم عنده فعل وإلا أقعد معه رجالا من العلماء الصلحاء ينظرون في ذلك ، ثم [ ص: 130 ] ينفرد هو برأيه فيهم دونهم ، ولا ينفعه أن يقول : قد كنت حكمت قبل هذا ؛ لأنه مدع على مشتكيه إلا أن تقوم بينة بذلك ، ولا يحكم للنظار معه بشيء ، بل الإمام إن كان فيه اختلاف أمضاه وإلا رده ، وأولئك الجلوس يرفعون للإمام ما رأوه ، قال مطرف : إذا لا يعرض له ، ولا يتعقبه بنظر الفقهاء ، فإن جهل الأمي وجهل الفقهاء فجلسوا معه أو كرهوا ورأوا فسخه ففسخه الأمير ، فإن كان الحكم الأول صوابا فيه اختلاف العلماء نفذ وبطل الفسخ ، وإلا مضى الفسخ ، ولا يقبل في مشهور العدالة إلا استبداده برأيه فيأمره الأمير بالمشاورة لأهل الرأي من غير أن يسيء له أحد ، وإن كان ممن ينبغي أن يجلس معه في تلك القضية ، فللإمام أن يأمرهم أن ينظروا معه ويحكموا بأفضل ما يراه معهم أو مع بعضهم ، فإن أجمعوا على خلافه لا يحكم به ، ذلك لأنه الذي شكا منه فيه ، وإن لم يبن له أن الحق إلا في رأيه ، كاتب الأمير فيأمره بما يراه قاله كله اشتكي بعد الحكم وهو عدل بصير بالقضاء ابن القاسم .
الفرع الخامس
قال : قال ابن القاسم : إذا ، لا ينفذ شيء من أحكامه ، واستوقف النظر فيها ، لأن حكمه كلا حكم ، ولا ينظر في سجلاته ، فإن كان لا يقصد الجور غير أنه جاهل بالستر ، ولا يستشير العلماء ، ويقضي باستحسانه ، تصفحت أحكامه وينفذ صوابها ، ويمضى المختلف فيه ، قال عزل القاضي أو مات وهو جائر : وكذلك إن علم منه أنه يوافق الوزير عزل أولا ، والقاضي الذي لا يعلم منه إلا خير لا يكشف عنه أن يأتي بجور فخطأ أو جهل ، ومتى جهلت البينة في حكم الحليبس لا ينفذ ، قال ابن كنانة أصبغ : تجوز أقضية القاضي غير عدل في حاله [ ص: 131 ] وسيرته ، أو فيه هذا وهذا تجوز من أقضيته غير الجور كأقضية الجاهل ؛ لأن السلاطين اليوم أكثرهم كذلك ، ولا بد أن تنفذ أحكامهم ، والقول بهذا أصبغ ، وقول ابن [ . . . ] وقال ابن القاسم : والخوارج كالقضاة السوء .
الفرع السادس
في الكتاب : إذا ، لم ينظر فيه من ولي بعده ولم يجزه إلا ببينة ، وإن قال المعزول في ديواني قد شهدت به البينة عندي ، لم يقبل قوله ؛ لأنه بقي شاهدا فهو كأحد الشهود ، وللطالب تحليف المطلوب أن الشهادة التي في ديوان القاضي شهد عليك بها ، فإن نكل حلف الطالب وثبتت الشهادة ، ثم نظر فيها الذي ولي بما كان ينظر المعزول ، قال مات القاضي أو عزل أنه شهد للبينات ابن يونس : وكل لا تقبل شهادته منه ؛ لأنه هو الحاكم به ، قال حكم يدعي القاضي المعزول أنه قد حكم به : وكذلك لو شهد معه رجل لا ينفذ حتى يشهد اثنان غيره . سحنون
وفي التنبيهات : قال بعض الشيوخ : إن أراد قيام البينة على خطوطهم فقد جوز الشهادة على خط الشهود وإعمالها ، وليس هو مشهور المذهب ، أو على إيقاع الشهود هذه الشهادة عند القاضي ففي جواز الشهادة على مثل هذا والخلاف فيه معلوم وقد يكون قيام البينة بإشهاد القاضي المتوفى إياهم يعتلولها ، وقوله : نظر الثاني كما كان ينظر الأول ، يفيد بنا القاضي على ما تقدم ولا يلزمه الاستئناف ، وأفتى به جماعة من القرطبيين : ابن عتاب وغيره ، ورأى غيرهم الاستئناف ، قال : ولا وجه له .
الفرع السابع
قال العلماء : من التصرفات ما تتوقف صحته على الولاية ، كالقضاء والوكالة والخلافة ، ومنه ما يصح بغير ولاية ، كالخطابة والإمامة ، فالقسم الأول [ ص: 132 ] يقبل العزل من جهة المولي والمتولي ، والقسم الثاني لا يقبل العزل إلا من جهة المتولي بل من جهة المولي ؛ لأن صحة الخطابة لا تنفك عن المتصف بها حتى تذهب أهليته فلا يتمكن من عزل نفسه ؛ لأن صحة تصرفه لا تكفي فيه الأهلية فلعزله لنفسه أثر فكان ممكنا ، وأما ما يطلق للخطيب ، فتركه إياه ليس عزلا ولا على هذا ليس للخليفة في نصب الخطيب ، إلا تسويقه المطلق للخطابة لا أنه يفيده أهلية التصرف ومنع المزاحمة للخطيب والإمام بعد الولاية ، فليس ذلك ؛ ولأنه إنما هو من صون الأئمة عن أسباب الفتن والفساد ، ويظهر بهذا البحث أن صحة التصرف في الخطابة سبب الولاية ، وفي القاضي ونحوه الولاية بسببه ، فبين البابين فرق عظيم فلذلك يقبل أحدهما العزل مطلقا دون الآخر .
نظائر : قال أبو عمران : العقود الجائزة بين الطرفين : الجعالة قبل الشروع من الطرفين ، وبعده من جهة الجعل له ، والقراض قبل الشروع ، والمغارسة ، والتحكيم ، والوكالة ، والقضاء . ذكره غيره فهي ستة .