الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطــرف الثاني : في الحدود ،

                                                                                                                في الجواهر : إذا رجعوا قبل الحكم ردت الشهادة وحدوا [ . . . ] القاتل [ . . . ] اعتفوا بتعمد [ . . . ] حدوا ، وهل يقتلون أو يأخذ الدية من أموالهم ، قولان لأشهب ، وقال ابن القاسم : [ . . . ] المباشرة ، وإن لم يتعمدوا فالدية على عواقلهم .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                في الجواهــر : شهدوا على رجل بالزنى فرجع أحدهم قبل الحكم ، حدوا لأنهم قذفة ، أو بعد إقامة الحد ، حد الرابع بغير خلاف لاعترافه بالقذف ، وهل يحد الباقون لأن الزنا لم يثبت بأربعة أم لا لنفوذ الحكم بشهادتهم ولم يكذبوا أنفسهم ؟

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو كانوا ستة فرجع اثنان لم يحد الباقون لبقاء النصاب ، ولابن القاسم في حد الرابع قولان ; لأنهم قذفة شهد بصدقهم أربعة ، أو هم مكذبون لأربعة ، قال الإمام أبو عبد الله : التحقيق إن قال الراجعان : كذبنا ومن شهد ، حدا . أو قالا : لا نعتقد كذب من شهد معنا ، بل الغالب صدقهم لعدالتهم لم يحدا .

                                                                                                                [ ص: 302 ] فـرع

                                                                                                                قال : إذا انكشف بعد رجوع الاثنين أن أحد الأربعة عبد ، ففي الموازية : يحد الراجعان ويغرمان ربع الدية لعدم النصاب ، ولا غرامة على العبد لأنه لم يرجع ، ويحد لعدم النصاب وهو قاذف ، ولا حد على الثلاثة ولا غرامة ، ولو كان الأربعة أحدهم عبد ، حدوا كلهم ، قال الإمام أبو عبد الله : والفرق بين هذا وبين الأربعة الأحرار يرجع أحدهم لا يحد الباقي : أن الراجع أهل الشهادة ، فقد انعقد النصاب في حق أصحابه ، وسقطت عدالته برجوعه ، فلا يقبل قوله عليهم ، والعبد ليس أهلا فلم ينعقد النصاب .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو رجع اثنان بعد إقامة الحد لزمه غرم ربع الدية يدخل فيه معه من سبق بالرجوع قلوا أو كثروا ، ويحد كل واحد منهم رجعوا معا أو مفترقين ، فإن رجع آخر أيضا لزمه ربع الدية ، يشاركه فيه كل من رجع قبله ، ويشاركهم فيما غرموا قبله ، فيصير نصف الدية بين جميعهم على عددهم ، فإن رجع آخر أيضا لزمه ربع الدية يشاركه فيه كل من رجع قبله ، وشاركهم فيما غرموا قبل ، فيصير نصف الدية بين جميعهم على عددهم ، فإن رجع آخر لريبة رجع ثلاثة أرباع الدية .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا رجع أحد الستة بعد فمع المشهود عليه في الرجم وتمادى الرجم ، فأوضح موضحة ، فرجع ثان ورجع ثالث بعد الموت : قال محمد : لو لم يرجع الثالث ما كان على من تقدم من رجوعه شيء ، وعلى الأول سدس دية العين ، [ ص: 303 ] وعلى الثاني مثل ذلك ، وخمس دية الموضحة ، وعلى الثالث ربع دية النفس فقط ، وقيل : مضافا إلى الخمس والسدس المتقدمين ، والأول أصح .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهد أربعة بالزنى واثنان بالإحصان ، فرجع الجميع : قال ابن القاسم : يختص غرم الدية بالأربعة ; لأنهم سبب الحد ولو شاءوا لم يشهدوا ، وقال أشهب : الدية على جميعهم بمركب السلب منهم ، وإذا فـرعنا على هذا قال أشهب : يقسم أسداسا ; لأن السلب من جميعهم ، وقال محمد : على كل فريق نصفها ، فعلى كل واحد من الأربعة ربعها ، وعلى كل واحد من الأربعة الآخران ، كانوا أربعة ثمنها ; لأن العدد ليس مقصودا ، وإنما القصد إثبات الوضعين : الزنى والإحصان .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا أكذبا أنفسهما بعد حد القذف : قال سحنون : لا غرم في ذلك بل الأدب ، وكذلك رجوعهما بعد قصاص الضرب أو اللطم لأنهما لم يتلفا مالا .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا طلبت إقامة البينة عليهما أنهما شهدا بالزور ، مكنت ، فإن أقمتها قضي عليهما بالمال ، وإن إقامتهما على [ . . . ] غرم نصف المال ، وقال سحنون : تحلفهما أنهما ما رجعا إذا اتجه [ . . . ] وجب اليمين ، وقال ابن عبد الحكم : ليس لك تحليفهما .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو رجعا عن الرجوع و [ . . . ] قضى [ . . . ] قضى الراجع ; لأن الرجوع ليس شهادة ، بل إقرار بما أتلف بالشهادة ، قاله ابن القاسم .

                                                                                                                [ ص: 304 ] فـرع

                                                                                                                قال : إذا اطلع بعد الرجم على أنه مجبوب : ففي الكتاب : يغرم الشهود الدية من أموالهم ، وجعلها أشهب على عاقلة الإمام ، قال ابن يونس : إذا أقامت شاهدين أن زوجها رماها بالزنى ، فأمر القاضي باللعان وفرق ، ثم تبين أن أحدهما عبد أو محدود : قال سحنون : تردها لزوجها ، ولا يكون قول الزوج : أشهد بالله إني لمن الصادقين ، إقرارا لأنه مقر خوف الضرب ، ولو علم الزوجان كذبهما والتعنا خوفا ، فهي حلال له بينه وبين الله تعالى ، ويكره له ذلك ليلا يعد زانيا فتهتك حرمته ، ويضيع نسبه إن حملت ، وليلا يرجم ، ويحرم عليه نكاح أختها وسائر أحكام النكاح باقية ، وإن لم تعلم هي إلا ظاهر الأمر أبيح لها ، ولو رماها الزوج بالزنى وهي تعلم كذبه ، وحرمها على الحاكم باللعان ، فلا يحرم عليها هي النكاح ; لأن الزوج راض بحكم السلطان .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال المازري : إذا شهد أربعة على الزنى ، واثنان منهم على الإحصان ، ورجع أحد اللذين شهدا بالإحصان مع الزنى فقد أبطل رجوعه نصف الإحصان ، ورفع حجة الزنى فعليه من الغرابة مثل ذلك ، ولو شهدا وزكاهما اثنان وأمضاهما الحاكم ، فرجع المزكيان فلا غرابة على المزكيين ، قال سحنون : لثبوت الحق بعين المزكيين ، ولو شاء الشاهدان بالحق ما شهدا ، قال المازري : وهذا ينقض أصل شهود الإحصان والزنى ، ونفرق بأن شهود الإحصان أثبتوا عيبا مؤثرا في الرجم بخلاف المزكي إنما أثبته مؤثرا في قبول القول ، فبعد عن الجناية في المسألتين اختلاف عندنا وعند ( ش ) قال : ويلحق بهذا الأسلوب من غرابة تزكية من شاهدين ، قال سحنون : إذا شهد اثنان بأنه أعتق عبده وأربعة عليه بالزنى فرجم ، ثم رجع الستة ، غرم الاثنان قيمته للسيد ; لأنهما حالا بينه وبينه حتى تلف ، ويغرم [ ص: 305 ] الأربعة ديته لورثته الأحرار ; لأن حريته ثبتت بالحكم الذي لا ينتقض بالرجوع ، فلم يستحق السيد قيمته ، فإن لم يكن له وارث فإنما للسيد القيمة إن غرمها شهود العتق رجعوا بها على شهود الزنى ; لأنهم أتلفوا عينه ، أو غرمها شهود الزنى لم يرجعوا على شهود العتق ; لأنهم المتلفون ، فإن السيد كان معترفا بعتقه ، ولم يرثه سواه لأخذ الدية بحكم الولاء .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                في النوادر : ولو شهد ثمانية عليه بالزنى والإحصان ، كل أربعة على زنى على حدة ، بامرأة على حدة ، فرجع أحد الأربعتين بعد الرجم ; لا حد عليهم ولا غرم ; لأن الفريق الآخر لو انفرد لرجم به . فإن رجع واحد من الأربعة الباقية حد وحد الراجعون قبله لإقرارهم بقذف من لم يزن ، وعليهم ربع الدية أخماسا ونفذ الحكم حتى لو قذفه أحد لم يحد بل يؤدب لأدائه له إلا الراجعون متى قذفوا حدوا لإقرارهم أنهم حدوا بغير حق ، ولو رجع من كل أربعة واحد لكان عليهما ربع الدية والحد لعدم النصاب في كل امرأة ، فلو رجع اثنان من كل طبقة فعليهم نصف الدية أرباعا مع الحد ، ولو رجع من كل فريق ثلاثة فعليهم ثلاثة أرباع الدية بين الستة مع الحد ، ولو رجع الثمانية فعليهم الدية وحد القذف ، ولو رجع ثلاثة [ . . . ] وواحد من الفريق الآخر فعليهم ربع الدية [ . . ] .

                                                                                                                [ ص: 306 ] [ ص: 307 ] فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهد أربعة بعتقه وزناه بعد عتقه محصنا فرجع اثنان عن الزنى ، واثنان عن الزنى ، وذلك بعد الرجم ; لم يضمن الراجعان عن الزنى لنعا يتم به العتق وإن كان للمرجوم وارث بست فله نصف الدية على الراجعين على الزنى ; لأنهما أتلفاه ويحدان للقذف لإقرارهما أنه حد بغير حق فإن وته سيده فقد أقر له بنصف الدية لاعترافهما بالحرية ، وإن اعترف السيد بالعتق [ . . . ] نصف الدية ، وإن بقي على جحوده غرما له نصف القيمة إلا أن يزيد على نصف الدية .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : وإن شهدا عليه بسرقة مائة دينار فقطع وأغرم المائة ، ثم رجعا غرما نصف الدية إليه والمائة ، وإن رجع أحدهما غرم نصف ذلك .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا وجد أحد الأربعة بعد الرجم عبدا حدوا كلهم للقذف ، وعلى العبد نصف حد ، قال ابن القاسم : إن علم الشهود أنه عبد فعليهم الدية في أموالهم ، وإن لم يعلموا فعلى عاقلة الإمام ولا شيء على العبد في الوجهين ، أما إن وجد أحدهم مسخوطا : فقال ابن القاسم : ينقض الحكم كما لو كان عبدا أو ذميا ، ويحد هو ومن تبعه من مسلم ، أو حد حد القذف ، قال أشهب : لا يرد الحكم في المسخوط ، ولا يضرب هو ولا من معه ، وينقض في العبد والذمي .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية