الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطــرف السادس : فــي المال .

                                                                                                                في الجواهــر : إذا شهدا لزيد وعمرو بمائة ، ثم قالا : المائة كلها لزيد بعد الحكم غرما خمسين للمشهود عليه ; لإقرارهما أنهما أخرجاه منه بغير حق ، ولا يقبل قولهما الثاني لإقرارهما بالزور ، قاله ابن عبد الحكم ، ولو كان بدل المائة عبدا معينا ، فإن صدقهما المشهود عليه أنه لزيد لم يغرما شيئا ، وإن أنكر الشاهدين غرما النصف له .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم : إذا رجع أحدهما بعد الحكم غرم نصف الحق ، قال محمد : لو رجع عن نصف ما شهدا به [ . . . ] غرم ربع الحق ، أو عن الثلث غرم السدس ، ولو رجعا جميعا فالحق عليهما [ . . . ] رجوعهما غرم كل واحد نصف ما رجع عنه ; لأنه الذي أنابه [ . . . ] قيمة الذي أخذه [ . . . ] شيئا لاستقلال الحق بالباقي ، فإن رجع ثان غرم نصف الحق [ . . . ] ثلث الحق ; لأنه أخذ ثلاثة ، وقال أشهب : إذا رجع ثلاثة من أربعة غرموا ثلاثة أرباع الحق ، قال محمد : لو شهد ثلاثة بثلاثين فرجع أحدهم بعد الحكم عن الثلاثين ، والثاني عن عشرين ، والثالث عن عشرة ، غرمها الجميع أثلاثا إلا عشرة لا يغرم أحد منها شيئا ; لاستقلال ثبوتها [ ص: 320 ] بشاهدين ، وهذا على القول بأنه بقي نصاب لا يغرم الراجع ، ويغرم الأولاد العشرة نصفين ، وإذا حكم برجال ونساء : فعلى الرجل نصف الحق ; لكونه نصف النصاب ، وعلى النساء نصفه بينهم بالسوية ، وكذلك لو رجعن وحدهن ، فلو كن عشرا فرجعت واحدة منهن إلى ثمان ، فلا شيء عليهن لبقاء ما يحتاج منهن في نصف النصاب ، فإن رجع تسع أو ثمان ثم واحدة بعدهن : فعلى التسع ربع المال بينهم بالسوية ; لأنه بقي من أخي ثلاثة أرباع الحق ، وذلك في كل ما تجوز فيه شهادتهن مع الرجال ، وأما ما ينفردن به كشهادة عشرة على رضاع مع رجل ، فرجع الكل بعد الحكم : فعلى الرجل سدس ما يجب من الغرامة ، وعلى كل امرأة نصف السدس ; لأن الرجل كامرأتين فيكن اثني عشر ، وليس محتاجا إليه حتى يكون نصف النصاب ، فيكون عليه النصف ، ولو رجع الكل إلا امرأتين لم يجب غرم على القول باعتبارها المستقل ولو رجع الكل إلا واحدة وزع جميع الحق على جميع من رجع .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا هرب المقضي عليه ; لا يلزمها غرم حتى يغرم المقضي عليه وليس يغرمه أخذ ذلك منهما إن أقر تعمد الزور ; لأنهما لم يتلفا ما يوجب الغرامة بعد لبقاء المال تحت يد ربه ، وقال ابن عبد الحكم : ذلك لغريمه ، وهما غريم الغريم ليلا يؤدي ذلك لبيع داره وتلف ماله ، وكذلك لو حبسه القاضي لا يترك محبوسا أبدا ، بل يخلصاه ، فإن لم يفعلا حبسا معه ; لأنهما مورطان ، ولو ضرب للمشهود عليه أجلا فرجع الشاهد أن قبله غرما ، وبرئ المطلوب .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                في النوادر : شهد أربعة بأربعين ، فرجع أحدهم عنها ، وآخر عن عشرة ، وآخر عن عشرين ، وآخر عن ثلاثين ، فقد ثبت عشرون بشهادة الراجع عن العشرة ، والراجع عن عشرين لا يرجع بها عن أحد ، والراجع عن عشرة أثبت عشرة أخرى ، فلا رجوع بنصفها على أحد ، ويغرم أصحابه الخمسة الباقية ، اثنان إلا ثلث كل واحد ، ولم تثبت عشرة أحد ، فيغرمهما الأربعة بالسوية ، فإن مات أحد الأربعة ، ثم [ ص: 321 ] رجع واحد عن عشرة ، وآخر عن عشرين ، وآخر عن أربعين ، فقد ثبت ثلاثون بالميت ، والراجع عن عشرة لا رجوع بها ، وبقي عشرة أثبتها الميت وحده ، فعلى الثلاثة نصفها بينهم ثلاثا ، فلو شهد واحد بعشرة ، وآخر بعشرين ، وآخر بثلاثين ، وآخر بأربعين ، فله الثلاثون بغير يمين ، والأربعون بيمين لتفردها بواحد ، فإن أخذ الثلاثين وحلف المطلوب ، فلا يغرم لرجوع شاهد العشرة ، وشاهد العشرين ; لبقاء من شهد بأكثر من ذلك ، فإن رجع [ . . . ] ثلاثة بعد [ . . . ] الأربعين ، فيغرما خمسة نصفين ; لأنهما زادا عشرة على العشرين [ . . . ] يشهد بها غير [ . . . ] عشرة شهدا بها مع عشرين ، وهو لم يرجع بما تلف [ . . . ] وعشرة تثبت بالباقيتين ، لا يرجع فيها شيء ، ولو رجعوا كلهم إلا شاهدا بعشرة ، غرم الراجعون خمسة وعشرين : شاهد العشرين خمسة ، والآخران عشرة عشرة ; لأن شاهد العشرة ، وافق الثلاثة الراجعين فيغرمهم نصفها سوية ; لأنه ثبت من يتينه به نصفها ، وعشرة يشهد بها غير الراجعين فيلزمهم بالسوية ، فيصير على كل واحد خمسة وعشرة ، ولم يشهد بها غير شاهد الثلاثين ، وشاهد الأربعين ، فيغرمانها نصفين ، ولو رجع غير شاهد العشرين لغرم شاهد العشرة اثنين إلا ثلثا ، والآخران ثمانية عشر وثلث نصفين ; لأن الراجعين شهدوا معه في عشرة ، فعليهما نصفها أثلاثا : اثنتان ، وثلثان ، والعشرة الأخرى من العشرين قارنه فيها شاهد الثلاثين ، وشاهد الأربعين ، فعليهما نصفها نصفين ، وانفرادهما بعشرة وهي عليها نصفين ، وعلى شاهد العشرة دينار وثلثان ، فذلك عشرون ، ولو رجع شاهد الأربعين وحده غرم عشرة ; لأن اليمين إنما كانت مع شهادته في العشرة التي انفرد بها ، قال محمد : والصواب : أنه لا يغرم إلا خمسة ; لأن اليمين بمنزلة شاهد ، ولو رجع غير شاهد [ ص: 322 ] الأربعين لم يضر بثبوتها به مع اليمين ، وكذلك لو وجدوا عبيدا ، ولو رجع شاهد الأربعين وشاهد الثلاثين : غرم شاهد الأربعين : سبعة ونصفا ، وشاهد الثلاثين : اثنان ونصفا ; لأن شاهد الأربعين انفرد بعشرة ، فعليهما نصفها ، وشهدا عشرة أجزاء ، قال في الموازية : عليهما نصفها ، قال ابن عبد الحكم : بل كلها ; لأنها شهادتهما خاصة ، واليمين إنما حكم بها في عشرة الأربعين ، فلو رجع معهما شاهد العشرين ، فإن عشرة منها ثابتة بالشاهد الباقي واليمين ، وعشرة منها يغرم شاهد العشرين خمسة ، شاركه فيها شاهد الثلاثين وشاهد العشرين بينهم أثلاثا ; لأنه قد بقي فيها يمين الطالب ، وهو كشاهد ، فلا يكون على شاهد العشرين غير اثنين إلا لمساو على صاحب الثلاثين خمسة شاركه فيها شاهد الأربعين ، وعلى شاهد الأربعين خمسة أجزاء ، وهي نصف العشرة التي انفرد بها ، ويثبت مع يمين الطالب ، فجميع معارفهم خمسة عشر .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                لو شهدا على ميت بدينار ، وآخران بدينارين ، والتركة دينار ، وهي يدعيهما فرجع الأربعة بعد الحكم ، يغرم شاهد الدينار ربع دينار ، وشاهد الدينارين ثلاثة أرباع دينار ; لأن جميعهم اجتمعوا على دينار وانفرد اثنان بدينار آخر ، وأخذ من ذلك كله دينارا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية