الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطــرف الثالث : في البضع .

                                                                                                                في الجــواهر : إذا رجعا بعد القضاء بالطلاق نفذ ولا غرم عليهما ; لأنه ليس مالا إن كان مدخولا بها . وإن شهدا أنه تزوجها وطلقها قبل الدخول ، قالابن القاسم : يغرمان نصف الصداق ; لأنه الذي أتلفاه ، أو على دخوله بزوجـة عبده مع [ ص: 308 ] إقراره بالطلاق وإنكاره الدخول فكذلك ; لإتلافهما نصف الصداق المكمل ، وقال أشهب : إذا شهدا بالطلاق قبل الدخول لا غرم عليهما ، والخلاف ينظر إلى أصلين على منفعة البضع تتقدم أم لا ، وهل الصداق كله يثبت بالعقد أو كله مترقب ؟ فابن القاسم يراه مترقبا ; لجواز ارتدادهما قبل الدخول فيسقط كله ، فلا يلزم الشهود ما لم يلزمه ، فهم كمن حاولوا بينه وبين سلعة بعد لزوم الثمن له ، وهم عند أشهب كمن شهد على ولي الدم بالعفو لا يغرمان شيئا ; لأنهما أما فرقا دما ، وهي ليست بمال ، ولو شهدا بطلاقها ، ونكاحها ثابت بشهادة غيرهما ، وشهد آخران بالدخول ، وجهل شاهدا الطلاق هل هو قبل الدخول أم لا ، وجهل الآخران الطلاق فلا غرامة على شاهدي الطلاق بالرجوع على مذهب أشهب وغيره ، وقيل : أكثر الرواية على خلافه ، ويغرم شاهدا الدخول بالرجوع نصف الصداق بينهما ، وإن رجع أحدهما غرم ربع الصداق ، فإذا غرم شاهدا الدخول النصف ، ثم ماتت الزوجة قبل الدخول استرجعاه ; لاعتقاد الزوج أنها ماتت في عصمته لإنكاره الطلاق ، وإذا شهدا عليه أنه طلق قبل البناء ، وقضي بالنصف عند ابن القاسم ، ثم مات الزوج ورجعا ، غرما للمرأة فأحرماها من الميراث وما أسقط عن صداقها ، ولو ماتت هي رجع الزوج عليهما بميراثه فقط ، لا بما غرم من الصداق ، وهذا إذا كان كلا الزوجين ينكر الطلاق .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهدا بطلاق أمة من زوجها وقضي به ، وشهد آخران أن الأولى يزوران إما لعلمهما بغيبتهما عن البلد ، أو لغير ذلك ، ثم رجع المكذبان ، غرما للسيد ما نقص من ثمنها بما أصابها من عيب الزوج فيبقى معه ، ويغرمان للسيد ما بين ثمنها [ . . . ] .

                                                                                                                [ ص: 309 ] فـرع

                                                                                                                قال : لو شهدا أنها اختلعت بمال ، وقالت : طلقني بغير عوض فأغرمت ، ثم رجعا ، غرما ما غرمت للزوج .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو كان الخلع المشهود به ثمرة قبل زهوها : قال محمد : لا يرجع عليها حتى يجد الزوج الثمرة ويقبضها ، أو عبدا آبقا قال عبد الملك : يغرمان قيمته على أقرب صفاته ، فإن ظهر بعد ذلك أنه كان ميتا عند الخلع ، استردا ما غرماه أو معيبا استردا ما يقابل العيب ، وعلى قول محمد : إن كان حصوله قريبا أخرت الغرامة إلى حصوله كما قاله في الثمرة قبل هذا الفـرع ، أو بعيدا غرما قيمته على الصفة التي أبق عليها ، ثم رجع محمد فقال : لا يغرمان في هذا ولا في الجنين وقبضه ، وبعد وجود الآبق والبعير الشارد فيغرمان قيمة ذلك يومئذ ; لأنه قبل ذلك تالف .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهدا عليها أنه تزوجها على مائة وخمسين ، وصداق مثلها مائة ، فقضي عليها ، ودخل بها الزوج ، ثم أقر بالزور ، نفذ الحكم ، وعليهما ما أتلفاه عليها من صداق مثلها ، وإن طلقها قبل البناء وثبتت على إنكارها فلا شيء لها ، وإلا فلها نصف الصداق كالمرأة تدعي أن زوجها طلقها ثلاثا ولم تجد بينة فبقيت حتى ماتت وصارت وارثة ، فإنها إن تمادت على دعواها فلا ميراث لها ، وإلا فلها الميراث ، قال الشيخ أبو محمد : ويحلف .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال المازري : لو شهدا عليها بالطلاق فتزوج بها أحد الشاهدين بعد العدة ، [ ص: 310 ] ثم رجع فتطلق عليه لإقراره ، ويغرم نصف الصداق إن لم يدخل بها ، وإن رجع قبل الزواج منعه الإمام إلا أن يرجع عن رجوعه فيحلف : أن الحق ما رجع إليه ثانيا ، وهو أن الحق شهادته الأولى ، وهذا كأحد قولي ابن القاسم في الشاهد يشتري العبد الذي شهد بعتقه ، لا يعتق عليه حتى يتمادى على إقراره ، غير أن المشهور : العتق ، والقولان يتخرجان هاهنا ، غير أن المشهور هاهنا غير المشهور في العتق ، والفرق : حرمة العتق ، ولو كانت الزوجة مدعية للنكاح دون الزوج ، فقضي عليه ، فإن وطئ لزمه الصداق بوطئه لا غير مقهورا عليه لتمكنه من الطلاق ، فإن زاد الصداق المشهود به على المسمى ففي رجوعه بالزائد على المشهور قولان ، بناء على أن موجب الصداق الوطء ، وهو المختار له ، فلا يلزم الشاهدان الزائد ، أو أنهما شهدا عليه بالتسمية .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                في النوادر : إذا شهدا عليه أنه دخل بها وهو ينكر الدخول وقبض الصداق ، فيحلف الزوج على ربع الصداق ، فإن رجعا رجعت عليهما بالصداق إذا حلفت : ما قبضته ; لأن بشهادتهما صار القول قول الزوج ، فإن رجعا بعد موت المرأة حلف من بلغ من ورثتهما : ما يعلم قبض ذلك ولا شيء منه ، ورجع على الشاهدين .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو شهدا عليه أنه تزوجها بغير تسمية ، وأنه طلقها بعد البناء فرجعا وقد تزوجت أم لا بالتسمية فغرما نصف الصداق ، وشهد الآخر شاهدان أنه تزوجها قبل هذا ، رجع هذا على المرأة بما أخذت منه ، فإن أعدمت رجع على الشاهدين ، ويرجع الشاهدان عليها ، وقيل : هذا إن كانت عالمة بالزور وإلا لم يرجع عليها الشاهدان كهبة الغاصب المغصوب لمن يجهل الغصب فيأكله فيغرم الغاصب ولا يرجع على الموهوب ، وقيل : المغصوب منه مخير بين الغاصب [ ص: 311 ] والموهوب [ . . . ] إن دخل بها الأول وقضى بها [ . . . ] على الأول الصداق بالسببين إن كانت غير عالمة وإلا فلا صداق [ . . ] .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو شهدا أنها تزوجها بألف ، وهو يقول : بخمسمائة فدخل بها ، وصداق مثلها [ . . . ] لم يغرم بالرجوع شيئا ; لأنهما وصلا إليه ما قيمته ألف فلم يتلفا شيئا ، ولو كان خمسمائة غرما الزائد .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : لو ادعى بعد تقرر النكاح أن الصداق عشرة ، وهو لا يشبه صداق مثلها ، وشهدا بمائة ، وهي تشبه صداق مثلها ، ورجعا بعد البناء ، رجعت عليهما بكمال المائة ، وقبل البناء كمال الخمسين ; لأنه كان القول قولها لأجل أنه يشبه ، ولو كان صداق مثلها عشرة ; لم يغرما شيئا ; لأنهما لم يتلفا ما كانت غير متمكنة منه .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهدا بطلقة ، وآخران بالثلث ، والزوج لم يبن ، ثم رجع الأربعة فعلى شاهدي الواحدة ربع الصداق ، وشاهدي الثلاث ربعه ; لأن كل شهادة لو انفردت لزمه بها نصف الصداق ، وعند الحنفية : الجميع على شاهدي الثلاث ; لأنها حرمته إلا بعد زوج ، وأشهب لا يوجب على بينة قبل البناء شيئا ; لأن النصف وجب بكل حال ، ولو شهدا أنه طلقها قبل البناء في شهر رمضان ، وغرما بالرجوع نصف الصداق ، فشهد آخران أنه طلقها في شعبان من تلك السنة قبل البناء ، رد الزوج على الأولين ما أخذ منهما لتقدم الإتلاف عليهما ، وقال الحنفية : لا يبرآن بالشهادة الثانية بل بالإقرار عند الحاكم .

                                                                                                                [ ص: 312 ] والجواب : قد سوى الشرع بين الإقرار والبينة في البراءة .

                                                                                                                فـرع

                                                                                                                قال : إذا شهدا أنه طلقها قبل البناء وآخران بعد البناء والزوج يجحد الدخول والطلاق ، يحكم عليه بجميع الصداق مع الطلاق ، ويرجع أحد شاهدي الطلاق ، وأحد شاهدي الدخول ، غرم شاهدا التنازع الصداق ، ولا شيء على شاهدي الطلاق ، ولو رجع شاهدا الدخول دون شاهدي الطلاق فعليهما نصف الصداق ، ولو رجع شاهدا الطلاق دون شاهدي الدخول لم يغرم شاهدا الطلاق شيئا ; لأن نصف الصداق ثابت لكل حال وإنما زاد شاهد الدخول النصف الآخر ، ولو أقر بالطلاق وجحد الدخول لم يغرم شاهدا الدخول إلا نصف الصداق .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية