الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المسألة الخامسة : قال : إذا شهد أحدهما أنه صالحها ، والآخر أنه طلقها واحدة ، قال مالك : لا تضم لاختلاف المشهود به ، بخلاف : طلقتها في رمضان ، وشهد الآخر أنه طلقها في شوال ؛ لأن المشهود به واحد ، وهو الطلاق ، كما لا يضم أنه حلف بالطلاق أن فلانا قام ، والآخر شهد بالطلاق : لا يكلم رجلا للاختلاف ، ويحلف على تكذيب كل واحد من الشاهدين ، قال ابن القاسم : كذلك لو شهد أحدهما أنه طلقها ألبتة ، والآخر أنه صالحها ، لا تضم ، قال : وهذه المسألة أربعة أقسام : إن اختلف اللفظ واتحد المعنى لفقت إجماعا ، وإن اختلفا لا تضم اتفاقا ، وإن اتفق اللفظ والمعنى واختلف الأيام والمجلس : المشهور : التلفيق ، وإن اتفق اللفظ والمعنى دون ما يوجبه الحكم : المشهور : عدم التلفيق ، كشهادة إحداهما أن فلانا قدم ، وشهادة الآخر أنه حلف بالطلاق لا يكلمه ، فلا يضم على المشهور ، وكذلك شهد أحدهما أنه طلقها ، والآخر أنه صالحها ، وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق : لا يفعل كذا ، والآخر أنه حلف أن إحدى امرأتيه طالق ، لا يفعله ، لا يضم عند ابن القاسم لاختلاف المعنى واللفظ ، وقيل : يطلقان ، قاله عبد الملك ، وعن [ ص: 186 ] سحنون : إذا جرحه أحدهما بغير ما جرحه به الآخر ، جرح لاجتماعهما على جرحه ، وقيل : لا يجرح حتى يتفقا على جرحة واحدة : كذاب أو نحوه ، قال ابن القاسم : وأشهد اثنان أنه أشهدهما أنه طلقها في رمضان واحدة ، وآخران أنه أشهدهما أنه طلقها واحدة في شوال ، وآخر أنه أشهدهما أنه طلقها واحدة في ذي القعدة ، لزمه الثلاث ولا يدين ، كما لو أشهدهما أن له عنده مائة ، ثم فعل ذلك في الغد وبعد الغد ، لزمه ثلاثمائة ، وقال أصبغ : يحلف ويبرأ لاحتمال أنه أعاد الطلاق الأول ، إلا أن يحدث الطلاق عند كل شاهدين ، فيقول : اشهدوا أنها طالق ، بخلاف أني طلقتها ، وقال مالك : إن شهدوا أنه حلف بطلاقها ألبتة ، أو اثنتين ، وقال الآخران : ما طلق إلا واحدة ، وقال الجميع : سمعناه في مجلس واحد ، وكلام واحد ، لزمه الطلاق للأكثر ، وكذلك أنه أعتق زيدا وميمونا ، والآخران لم يتفوه إلا بعتق زيد وحده ، عتق العبدان لوجود النصاب فيهما ، وكذلك لو قالا : أسلفه عشرين ، وقال الآخران لم يسلفه في ذلك الوقت إلا عشرة ، لزمه العشرون ؛ لأن المثبت للزيادة أحفظ لما نسيه الآخران وأغفلاه ، قال ابن القاسم : وإذا قال [ . . . ] المجلس بطلاق ، ولكنه حلف بعتق غلام أسمياه سقطت الشهادة [ . . . ] الآخران إنما طلق امرأته - الأخرى ، وأعتق عبده الآخر ، وفي إلزامه [ . . . ] من البينة ، والواحدة والعشرين والعشرة ، وثلاثة أقوال المشهور : [ . . . ] لمتيقن ، والفرق : إن كانت الزيادة بزيادة لفظ ، مثل أن يشهد أنه أقر له بـ [ . . . ] وعشرين فأقر له بإحدى وعشرين ، أو بغير زيادة لفظ ، نحو أقر له بتسعة عشر ، وقال الآخر : إنه أقر بعشرين ، قال مالك : ولو شهد عليه رجل بشرب الخمر في شوال ، والآخر أنه شربه في ربيع ، حد ، قال : وعند ابن القاسم : لا تلفق الشهادة في الفعل ؛ لأن الفعل المتعدد متغاير قطعا ، والقول تمكن حكايته مع اتحاده ، وعن [ ص: 187 ] ابن القاسم : يحد في الشرب إذا قال أحدهما : رأيته يشرب الخمر في شوال ، والآخر قال : رأيته في شعبان ، لأن الشرب فعل يؤدي إلى القول وهو القذف كما روي عن علي _ رضي الله عنه _ : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فما خالف ابن القاسم أصله ، ووجه قول مالك : القياس على قول أحدهما : رأيته يشربها في زجاج ، وقال الآخر : في فخار ، فإنه يحد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية