[ ص: 198 ] الباب السادس
في الجرح ، والتعديل ، والعدالة ، وتعرف أحوال الشهود
، لا يجوز له أن يحكم بغير عدل وإن لم يطالبه الخصم بالعدالة ، وبه قال ( ش ) العدالة - عندنا حق لله تعالى على الحاكم ، وقال ( ح ) : العدالة حق للخصم ، فإذا علم أنهما مسلمان ظاهران حكم بهما ، ولا يحتاج للبحث عن عدالتهما إلا أن يجرحهما الخصم فيما سوى الحدود والقصاص ، لنا : إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - ، ( لأن رجلين شهدا عند وابن حنبل عمر _ رضي الله عنه _ فقال : لا أعرفكما ، ولا يضركما أن لا أعرفكما ، جيآني بمن يعرفكما ، فجاءاه برجل ، فقال له : أتعرفهما ؟ قال : نعم ، قال كنت معهما في سفر يبين عن جواهر الناس ؟ قال : لا قال : فأنت جارهما تعرف صباحهما ومساءهما ؟ قال : لا ، قال : أعاملتهما بالدراهم والدنانير التي تقطع بها الأرحام ؟ قال : لا ، قال : يا ابن أخي ، ما تعرفهما ، جيآني بمن يعرفكما ) وهذا بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - لأنه لم يكن يحكم إلا بمحضرهم ، ولم يخالفه أحد فكان إجماعا ، والظاهر : أنه ما سأل عن تلك الأسباب من السفر وغيره إلا وقد عرف إسلامهما ؛ لأنه لم يقل : أتعرفهما مسلمين [ . . . ] وأن ذلك [ . . . ] تعجل الحكم واجب عند وجود الحجة ؛ لأن أحد الخصمين على سفر [ . . . ] على الفور ، والواجب لا [ ص: 199 ] يؤخر إلا للواجب ، وقوله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ . . . ] لا يستشهد ، وقوله : ( منكم ) إشارة للمسلمين فلو كان الإسلام [ . . . ] مأخوذا من الاعتدال في الأقوال والأفعال والاعتقاد فهو وصف [ . . . ] الإسلام ، وقوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء ) ورضا الحاكم بهم فرع معرفتهم ، وبالقياس على ما إذا سأله الخصم العدالة وطعن فيهم ، بجامع عدم ظهور أحوالهما ، وبالقياس على الحدود ، وقولهم الحدود حق لله ، والحاكم نائبه ، فطلب العدالة ، وفي حقوق الآدمي هي حقه فلم يتعين الحاكم ممنوع أن العدالة حق آدمي أصلا ، وكما لو قال له : احكم لي بقول كافرين فإنه حق لي ، أو بقول امرأة . احتجوا بقوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) ولم تشترط العدالة ، وبقول عمر _ رضي الله عنه _ : المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا محدودا في حد ( وقبل رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ شهادة الأعرابي بعد أن قال له : ) فلم يعتبر غير الإسلام ؛ ولأنه لو أسلم كافر بحضرتنا جاز قبول قوله مع أنه لم يتحقق منه إلا الإسلام ؛ ولأن البحث لا يؤدي إلى لحوق العدالة ، وإذا كان المقصود الظاهر فالإسلام كاف في ذلك ؛ لأنه أتم وأرجح ؛ ولأن صرف الصدقة بحوزها على ظاهر من غير [ ص: 200 ] بحث ، وعمومات النصوص والأوامر تحمل على ظواهرها من غير بحث ، فكذلك هاهنا ، ويتوضأ بالمياه ويصلي بالثياب بناء على الظاهر من غير بحث . أتشهد أن لا إله إلا الله ، وأني محمد رسول الله
والجـواب عن الأول : أنه مطلق فيقدم عليه النص المقيد ، وهو قوله تعالى : ( ذوي عدل منكم ) فقيل بالعدالة ، وقيل أيضا برضا الحكام والمسلمين ، وهو مشروط بالبحث ولأن الإسلام لا يكفي فيه ظاهر الدار ، فكذلك لا نكتفي بالإسلام في العدالة .
وعن الثانـي : أنه يدل على اعتبار وصف العدالة ، لقوله : عدول ، فلو لم يكن معتبرا لسكت عنه ، وهو معارض بقوله : لا يؤسر مسلم بغير العدول ؛ ولأن ذلك كان في صدر الإسلام حيث العدالة غالبة ، بخلاف غيره .
وعن الثالـث : أن السؤال عن الإسلام لا يدل على عدم سؤاله عن غيره فلعله سأل ، أو كان غير هذا الوصف معلوما عنده .
وعن الرابـع : أن لا تقبل شهادته حتى تعلم سجاياه وجرأته على الكذب ، وإن قبلناه فذلك لتيقننا عدم ملابسته لما ينافي العدالة بعد إسلامه .
وعن الخامـس : أنه باطل بالإسلام ، فإن البحث عنه لا يؤدي إلى يقين ، ويحكم الحاكم في القضية التي لا نص فيها ولا إجماع ، فإن بحثه لا يؤدي إلى يقين ، وأما الفقير فلا بد من البحث عنه ، ولأن الأصل هو الفقر بخلاف العالة ، بل من أنه هاهنا أن تعلم عدالته في الأصل ، فإنه لا يبحث عن مزيلها ، وكذلك أصل الماء الطهارة ، ولا يخرج عن ذلك إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه ، وذلك معلوم بالقطع فلا حاجة إلى البحث ؛ ولأن الأصل الطهارة بخلاف العدالة [ . . . ] والأوامر [ . . . ] فإنا لا نكتفي بظاهرها بل لا بد من البحث عن الصارف والمخصص .
[ ص: 201 ] و [ . . . ] الأعدل [ . . . ] على ظاهرها .