مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " وإذا أقر الرجل لحمل بدين كان الإقرار باطلا حتى يقول كان لأبي هذا الحمل ، أو لجده علي مال وهو وارثه فيكون إقرارا له ( قال المزني ) رحمه الله هذا عندي خلاف قوله في كتاب الوكالة في الرجل يقر أن فلانا وكيل لفلان في قبض ما علنه أنه لا يقضي عليه بدفعه ؛ لأنه مقر بالتوكيل في مال لا يملكه ويقول له إن شئت فادفع ، أو دع وكذلك هذا إذا أقر لمال لرجل وأقر عليه أنه مات وورثه غيره وهذا عندي بالحق أولى وهذا وذاك عندي سواء فيلزمه ما أقر به فيهما على نفسه فإن كان الذي ذكر أنه مات حيا وأنكر الذي له المال الوكالة رجعا عليه بما أتلف عليهما " .
قال الماوردي : وصورتها في فلا يخلو حال إقراره من ثلاثة أقسام : رجل أقر لحمل امرأة بمال
أحدها : أن يعزيه إلى جهة ممكنة .
والثاني : أن يعزيه إلى جهة مستحيلة .
والثالث : أن يرسله مطلقا .
[ ص: 34 ] فإن عزاه إلى جهة كقوله : له علي إرث من أبيه ، أو وصية عن موص صح الإقرار ولزم .
وإن أرسله وأطلقه ففي صحته قولان :
أحدهما : قال الشافعي في كتاب الإقرار ، والمواهب من كتاب الأم ونقله المزني هاهنا : إن الإقرار باطل وهو قول أبي يوسف ؛ لأن إثبات الحقوق يجري بين الأحياء الموجودين غالبا وذلك منتف عن الحمل فبطل بغالب هذه الحال أن يصح له إقرار .
والقول الثاني : نص عليه الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر - وهذا كتاب لم ينقل المزني منه شيئا - أن إقراره صحيح .
وهذا أصح القولين وهو قول محمد بن الحسن ؛ لأن الإقرار إذا أمكن حمله على الصحة لزم ، ولم يبطل لاحتمال فساده وجه كما يصح الإقرار للطفل وإن استحال استحقاق ذلك بمعاملته ؛ لأن له وجها في الصحة وكذلك في الحمل .
وإن عزا إقراره إلى جهة مستحيلة ، فكقوله : له علي ألف لمعاملتي إياه ، أو بجنايتي عليه فهذه حالة مستحيلة في الحمل فإذا وصل الإقرار بها فإن قيل ببطلان إقراره مع الإطلاق فهذا إذا وصفه بالمحال أبطل ، فإن قيل بصحة إقراره مع الإطلاق ففيه إذا وصله بصفة مستحيلة قولان من تبعيض الإقرار فيمن قال : ضمنت ألفا على أنني بالديار :
أحدهما : أن الإقرار لازم على ما تقدم ، والصلة رجوع فلم يقبل .
والقول الثاني : أن الإقرار باطل ؛ لأن بعض الكلام مرتبط ببعض وحكمه أوله موقوف على آخره ، والله أعلم .