الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني من أقسام الأصل ، وهو أن يعلم بجاري العادة أن مثل ذلك الزرع لا يستحصد في مثل تلك المدة ، مثل أن يستأجرها أربعة أشهر لزرع من بر ، أو شعير ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشرط قلعه عند تقضي المدة ، فهذه إجارة جائزة : لأنه قد يريد زرعه قصيلا ، ولا يريده حبا ، فإذا انقضت المدة أخذ بقلع زرعه وقطعه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يشرط تركه إلى وقت حصاده ، فهذه إجارة فاسدة : لأن اشتراط استيفاء الزرع بعد مدة الإجارة ينافي موجبها ، فبطلت ثم للزارع استيفاء زرعه إلى وقت حصاد ، وإن بطلت الإجارة ، فلا يؤخذ بقلع زرع : لأنه زرع عن إذن اشترط فيه الترك ، وعليه أجرة المثل ، والفرق بين هذه المسألة في استيفاء الزرع مع فساد الإجارة ، وبين أن يؤخذ بقلعه فيما تقدم من الأقسام مع صحة الإجارة : أن الإجارة إذا بطلت روعي الإذن دون المدة ، وإذا صحت روعيت المدة .

                                                                                                                                            والقسم الثالث من هذه الأقسام : أن يطلق العقد ، فلا يشترط فيه قلعا ولا تركا ، فقد اختلف أصحابنا : هل إطلاقه يقتضي القلع أو الترك ، على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه يقتضي القلع اعتبارا بموجب العقد ، فعلى هذا الإجارة صحيحة ، ويؤخذ المستأجر بقلع زرعه عند تقضي المدة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو ظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - أن الإطلاق يقتضي الترك إلى أوان الحصاد اعتبارا بالعرف فيه ، كما أن ما لم يبد صلاحه من الثمار يقتضي إطلاق بيعه للترك إلى وقت الصرام اعتبارا بالعرف فيه ، فعلى هذا تكون الإجارة فاسدة ، ويكون للمستأجر ترك زرعه إلى وقت حصاده ، وعليه أجرة المثل كما لو شرط الترك .

                                                                                                                                            [ ص: 459 ] وأما القسم الثالث من أقسام الأصل : وهو أن يقع الشك في تلك المدة ، هل يستحصد الزرع فيها كأنه استأجرها خمسة أشهر لزرع البر أو الشعير ، فقد يجوز أن يستحصد الزرع في هذه المدة في بعض البلاد وبعض السنين ، ويجوز أن لا يستحصد ، فيكون حكم هذا القسم حكم ما علم أنه يستحصد فيه ، ويكون حكم هذا القسم حكم ما علم أنه لا يستحصد فيه على ما مضى إسقاطا للشك واعتبارا باليقين ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية