الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " ولو ساقاة على أن للعامل ثلث الثمرة ، ولم يقولا غير ذلك كان جائزا ، وما بعد الثلث فهو لرب النخل وإن اشترطا أن لرب النخل ثلث الثمرة ، ولم يقولا غير ذلك كان فاسدا ؛ لأن العامل لم يعلم نصيبه ، والفرق بينهما أن ثمر النخل لربها إلا ما شرط منها للعامل فلا حاجة بنا إلى المسألة بعد نصيب العامل لمن الباقي وإذا اشترط رب النخل لنفسه الثلث ، ولم يبين نصيب العامل من الباقي فنصيب العامل مجهول وإذا جهل النصيب فسدت المساقاة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن عقد المساقاة بينهما لا يخلو من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يبينا فيه نصيب كل واحد منهما ، مثل أن يقول رب النخل على أن لي نصف الثمرة ، ولك نصفها ، أو لي ثلثاها ولك ثلثها فهذا أوضح أحوالهما في إبانة نصيب كل واحد منهما ، وأوكد ما يتعاقدان عليه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يبين نصيب العامل دون رب النخل مثل أن يقول قد ساقيتك على أن لك أيها العامل ثلث الثمرة ، فالمساقاة جائزة ، ويكون الباقي بعد ثلث العامل لرب النخل ؛ لأن جميعها على أصل ملكه ، وصار كالعموم إذا خص بعضه كان باقيه محمولا على موجب عمومه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يبين رب النخل نصيب نفسه دون العامل ، مثل أن يقول قد ساقيتك على أن لي ثلث الثمرة ، فمذهب المزني أن المساقاة في ذلك باطلة ، وهو قول جمهور أصحابنا .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن القاص : أن المساقاة جائزة ؛ لأن قوله ساقيتك يوجب اشتراكهما في الثمرة فكان بيانه لنصيب نفسه دليلا على أن الباقي للعامل كما كان بيانه لنصيب العامل دليلا على أن الباقي لنفسه وصار كقوله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 110 ] فعلم أن الباقي بعد ثلث الأم للأب ، وهذا الذي قاله أبو العباس خطأ ، والفرق بين الموضعين أن الثمرة لرب النخل ، فإذا بين سهم العامل منها صار استثناء خالف حكم الأصل فصار بيانا ، وإذا بين نصيب نفسه لم يكن ذلك استثناء ؛ لأنه وافق حكم الأصل ، إذ جميع الثمرة له ، فلم يصر بيانا .

                                                                                                                                            ويشبه أن يكون اختلاف المزني ، وأبي العباس محمولا على اختلاف حكمه هل هو شريك ، أو أجير ؟ فحمل المزني ذلك من قوله على أن العامل أجير ، وحمل أبو العباس ذلك من قوله على أن العامل شريك .

                                                                                                                                            [ ص: 379 ] فلو قال رب النخل قد ساقيتك على أن لك ثلث الثمرة ولي نصفها وأغفل ذكر السدس الباقي غلب في ذلك بيان نصيب العامل إذ ليس له أكثر من المسمى ، وصحت المساقاة ؛ لأنه لو بين نصيب العامل وأغفل ذكر الباقي كله صحت المساقاة ، فإذا أغفل بعضه كانت المساقاة أولى بالصحة ، وكان ما سوى ثلث العامل من النصف المسمى ، والسدس الباقي لرب النخل .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن لا يبين نصيب نفسه ، ولا نصيب العامل مثل أن يقول " قد ساقيتك " فالمساقاة باطلة ؛ لأن المساقاة قد تختلف ، فصار الاقتصار على هذا مفضيا إلى جهالة تمنع من صحة العقد ، ولكن لو قال له قد ساقيتك على أن الثمرة بيننا ، فعند أبي العباس بن سريج أن المساقاة صحيحة ، وتكون الثمرة بينهما نصفين ؛ لأن ظاهر اشتراكهما في الثمرة يوجب تساويهما فيها .

                                                                                                                                            وذهب سائر أصحابنا إلى أن المساقاة باطلة ؛ لأنها قد تكون بينهما على تساو وتفاضل فلم يكن حملها على التساوي في الإطلاق بأولى من حملها على التفاضل فبطلت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية