الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يكون المغصوب تالفا فهو مضمون عليه سواء تلف بفعله ، أو غير فعله ، لقوله : يكون على اليد ما أخذت حتى تؤديه . ثم هو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون له مثل كالذي تتساوى أجزاؤه من الحبوب ، والأدهان ، والدراهم ، والدنانير فعليه رد مثله جنسا ونوعا وصفة وقدرا ؛ لأن مثل الشيء أخص به بدلا من القيمة ؛ لأنه مثل في الشرع ، واللغة ، والقيمة مثل في الشرع دون اللغة فإن طلب أحدهم القيمة لم يجب إليها سواء كان طالبها الغاصب ، أو المغصوب منه ؛ لأنها غير المستحق فأما إن تراضيا بالقيمة مع القدرة على المثل ففي جوازه وجهان بناء على اختلاف الوجهين في جواز أخذ أرش العيب مع القدرة على رد المعيب .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ألا يكون له مثل كالذي تختلف أجزاؤه من الثياب ، والعبيد فعليه قيمته في أكثر أحواله قيمة من وقت الغصب إلى وقت التلف وبه قال جمهور الفقهاء وقال عبد الله بن حسن العنبري وأحمد بن حنبل عليه مثله من جنسه وعلى صفته استدلالا برواية فليت العامري عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما فبعثت به فأخذني أفكل فكسرت الإناء فقلت : يا رسول الله ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء وطعام مثل طعام .

                                                                                                                                            وما روي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إن بني [ ص: 137 ] عمك سعوا على إبلي فاحتلبوا ألبانها وأكلوا فصلانها فقال عثمان - رضي الله عنه - نعطيك إبلا مثل إبلك وفصلانا مثل فصلانك . فقال عبد الله بن مسعود وقد رأيت يا أمير المؤمنين رأيا أن يكون ذلك من الوادي الذي جنى فيه بنو عمك فقال عثمان - رضي الله عنه - نعم .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أعتق شركا له في عبد قوم عليه إن كان موسرا فأوجب قيمة الحصة ، ولم يوجب مثل تلك الحصة ولأنه لما كانت أجزاؤه مضمونة بالقيمة دون المثل حتى من قطع يد دابة لم تقطع يد دابته ومن خرق ثوبا لم يخرق ثوبه وجب أن يكون في استهلاك العين بمثابته ولأن ما تخلف أجزاؤه يتعذر فيه المماثلة ، ولا يخلو من أن يكون زائدا يظلم به الغاصب ، أو ناقصا يظلم به المغصوب ، والقيمة عدل يؤمن فيها ظلم الفريقين .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قوله : إناء مثل الإناء ، وطعام مثل طعام ، فهو أن القيمة مثل في الشرع . قال الله تعالى : فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين [ المائدة : 95 ] ، فجعل قيمة الجزاء من الطعام مثلا ، وأما حديث عثمان - رضي الله عنه - فمحمول على التفضل منه لتطوعه بذلك عن غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية