الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا تقرر أن وقف الإنسان على نفسه لا يجوز فلا يخلو حال الواقف على نفسه من أحد أمرين : إما أن يكون عاما أو خاصا ، وإن كان خاصا ، فعلى قسمين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقول : وقفته على نفسي ثم على الفقراء والمساكين ، ولا يجوز أن يكون وقفا لنفسه ، وهل يبطل أن يكون وقفا للفقراء والمساكين ، فعلى قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه فرع لأصل باطل .

                                                                                                                                            والقول الثاني : جائز : لأنهم صاروا فيه أصلا عند بطلان الأصل ، فعلى هذا هل يستحقونه قبل موته أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم لا يستحقون إلا بعد موته اعتبارا بظاهر شرطه ويكون أحق بغلته منهم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنهم يستحقون الوقف في الحال ، وإلا صار وقفا بعد مدة : ولأنه لو صارت الغلة إليه قبل موته لصار وقفا على نفسه ومعمولا فيه على شرطه .

                                                                                                                                            وإن كان الوقف عاما ، فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون منافعه مباحة كمرافق المسجد وماء البئر ، فهل يكون فيه كغيره من المسلمين سواء شرط ذلك لنفسه أو لم يشترط استدلالا بوقف عثمان - رضي الله عنه - ولقوله عليه الصلاة والسلام : المسلمون شركاء ثلاث .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن تكون منافعه ليست على أصل الإباحة كثمار النخل والشجر ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يطلقه ولا يشترط لنفسه شيئا منه ؛ كرجل وقف نخلا على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وصار من جملتهم ، دخل فيه وجاز أن يأكل منها كأحدهم : لأنه من جملتهم بوصفه لا بعينه ، فلم يكن ذلك وقفا عليه : لأنه على موصوفين لا على معنيين فيساوي من شاركه في حقه .

                                                                                                                                            [ ص: 527 ] والضرب الثاني : أن يشترط لنفسه أن يأكل منها غنيا أو فقيرا كان فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول ابن سريج ، والزبيري ، أنه يجوز : لأنه قد أخرجه عاما ، فجاز أن يدخل في العموم بعينه كما يدخل فيه بوصفه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو مذهب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز أن يدخل فيه بعينه كما لم يجز أن يدخل في الخاص بعينه ، فإذا قلنا : يجوز دخوله فيه على الوجه الأول ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه حق قائم على التأبيد يخلفه فيه ورثته وورثة ورثته ما بقوا ، فإذا انقرضوا عاد حينئذ على جماعة الفقراء والمساكين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه مقدر بمدة حياته ، فإذا مات عاد إلى الفقراء دون ورثته إلا أن يكونوا من جملة الفقراء ، وإذا قيل : إنه يجوز دخوله فيهم بعينه فهل يكون ما جعله من ذلك لنفسه باقيا على ملكه أم داخلا في عموم وقفه ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه باق على ملكه : لأن الوقف بطل فيه وصح فيما سواه .

                                                                                                                                            والثاني : أنه دخل في عموم وقفه : لأن الوقف بقي في الجميع ، وإنما بطل الاستثناء في الحكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية