مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " وكذلك لو نقل عنها ترابا كان له أن يرد ما نقل عنها حتى يوفيه إياها بالحال التي أخذها ( قال المزني ) غير هذا أشبه بقوله ؛ لأنه يقول لو فهذا أثر لا عين ومنفعة للمغصوب ، ولا حق في ذلك للغاصب فكذلك نقل التراب عن الأرض ، والبئر إذا لم تبن بطوب أثر لا عين ومنفعة للمغصوب ، ولا حق في ذلك للغاصب مع أن هذا فساد لنفقته وإتعاب بدنه وأعوانه بما فيه مضرة على أخيه ، ولا منفعة له فيه . غصب غزلا فنسجه ثوبا ، أو نقرة فطبعها دنانير أو طينا فضربه لبنا
قال الماوردي : وصورتها في فلا يخلو حال التراب من أن يكون باقيا ، أو مستهلكا فإن كان قد استهلك فعليه رد مثله إن كان للتراب مثل فإن لم يقدر على مثله ؛ لأنه من تراب ليس في الناحية مثلها ضمن القيمة وفيها وجهان : [ ص: 173 ] أحدهما : وقد نقله رجل غصب من رجل أرضا فنقل منها ترابا المزني عن الشافعي - رضي الله عنه - في جامعه الكبير أن تقوم الأرض وعليها التراب الذي أخذ منها ثم تقوم بعد أخذه منها ويضمن الغاصب ما بين القيمتين .
والوجه الثاني : أنه يضمن أكثر الأمرين من هذا ومن قيمة التراب بعد نقله عن الأرض . وإن كان التراب باقيا فللغاصب ورب الأرض أربعة أحوال :
أحدها : أن يتفقا على رده إلى الأرض فيبرأ الغاصب منه ويلزمه بعد رده غرم نقص إن كان في الأرض وأجرة مثلها في أكثر الحالين أجرة من كونها ذات تراب ، أو غير ذات تراب إلى أن أخذ في رد التراب فأما أجرتها في زمان رد التراب إليها فإن كان رده بعد تسليم المالك لها وتصرفه فيها فلا أجرة عليه وإن كان قبل تسليم المالك لها فعليه الأجرة .
والحالة الثانية : أن يتفقا على ترك التراب خارجا عنها وأن لا يرده إليها فذلك لهما ما لم يطرح التراب في أرض مغصوبة ثم ينظر فإن كان ذلك بعد أن وهب له التراب فليس له أبدا في استرجاعه ورده حق ، وإن كان لم يهبه له فمتى طالبه بعد ذلك برده كان له وأخذ الغاصب برده فإن طالبه بنقص الأرض نظر . فإن كان رد التراب إليها يمنع من النقص فليس له مطالبته بالنقص وإن كان رد التراب إليها لا يمنع من النقص فله مطالبته بالنقص الحاصل فيها بعد رد التراب إليها .
والحال الثالث : أن يدعو رب الأرض إلى رد التراب إليها ويمتنع الغاصب فيؤخذ الغاصب جبرا برد التراب إليها فإن عظمت مؤنة رده وتضاعفت الكلفة في نقله ؛ لأنه الجاني على نفسه بعدوانه وغصبه سواء كان للمالك في رد التراب نفع أم لا بخلاف ما ذكرنا من قبل في قلع الشجر ، والتزويق في أحد الوجهين ؛ لأن التراب عين يملكها فكان أحق الناس بها وإن لم ينفعه كمن غصب عبدا زمنا لا ينفع سيده وهو كل عليه يلتزم نفقته ، ولا يرجو نفعه فإن الغاصب مأخوذ برده على مالكه وإن ثقلت عليه مؤنة رده .
والحال الرابع : أن يدعو الغاصب إلى رده ويمتنع منه المالك فلا يخلو حال المالك في منعه من أحد أمرين : إما أن يبرئه من ضمان التراب ، أو لا يبرئه فإن منعه من رده ، ولم يبرئه من ضمانه فللغاصب رد التراب وحده ليسقط عنه ضمانه بالرد ، ولا اعتبار بمنعه وإن منعه من رده بعد إبرائه منه فلا يخلو حال الغاصب من أحد أمرين :
إما أن يكون في رده غرض صحيح ، أو لا غرض له في رده صحيح وذلك من وجوه :
أحدها : أن يكون قد نقله إلى أرض أخرى مغصوبة فيرده ليبرأ من غصبها ، ومنها أن يكون قد نقله إلى طريق سابلة تضيق عنه ، أو لا يأمن أن يتلف به ما يضمنه . ومنها أن يكون قد [ ص: 174 ] نقله إلى مسجد لله تعالى فلا يقر على تركه فيه ، ومنها أن تكون الأرض التي نقل التراب عنها قد صارت حفرا لا يأمن ضمان ما يسقط فيها فهذه كلها أغراض صحيحة وللغاصب أن يرد التراب لأجلها إلى المكان الذي نقله عنه وليس للمالك أن يمنعه منه وإن لم يكن للغاصب في رده غرض صحيح لحصول التراب في أرض أخرى لمالك التراب ، أو في موات لا يمنع من تركه فيه منع الغاصب من رده لما فيه من إتعاب بدنه وأعوانه بغير نفع يرجع إليه وربما كان فيه إضرار لغيره وهذا سفه .