فصل : وإن فإذا بذل له الغاصب مكيلة زيته منه أجبر على أخذه ، ولم يكن له العدول إلى غيره لوجود العين المغصوبة فيه مع الزيادة في الجودة ، وإن عدل به الغاصب إلى مثل مكيلة زيته من غيره فإن رضي بذلك المغصوب منه جاز ، وإن لم يرض به وطالب بحقه من نفس ما اختلط به ففيه وجهان : خلطه بأجود منه ،
أحدهما : وهو قول جمهور أصحابنا ومنصوص الشافعي - رضي الله عنه - في الغصب أن القول قول الغاصب في العدول إلى مثل مكيلة زيته من غيره ؛ لأن فيه زيادة لا تتميز فلم يلزم الغاصب بذلها ، وكان المثل أحق ليزول به الضرر عن الفريقين .
والوجه الثاني : وهو قول بعض المتقدمين من أصحابنا أنه يضرب بثمن زيته في الزيت المختلط على ما نص عليه الشافعي - رضي الله عنه - في الفلس . مثاله : أن يكون قد غصبه صاعا من زيت قيمته خمسة دراهم فخلطه بصاع قيمته عشرة دراهم فيباع الصاعان ، فإن كان قيمتها خمسة عشر درهما فليس فيه زيادة ولا نقص ، فيأخذ المغصوب خمسة دراهم هي ثمن صاعه ويأخذ الغاصب عشرة دراهم هي ثمن صاعه ، وإن كان الثمن عشرين درهما قسمت بينهم أثلاثا بقدر ثمن الصاعين لتكون الزيادة مقسطة بينهما فيكون للمغصوب ثلث العشرين وللغاصب الثلثان ، وإن كان الثمن أقل من خمسة عشر استوفى المغصوب منه ثمن صاعه [ ص: 187 ] خمسة دراهم ودخل النقص على الغاصب لضمانه بالتعدي إلا أن يكون النقص لرخص السوق فلا يضمنه ، فعلى هذا الوجه لو قال المغصوب : أنا آخذ من هذا الزيت المختلط زيتا بقيمة ما استحقه وهو ثلث الصاعين بخمسة من خمسة عشر ، ففيه وجهان .
أحدهما : لا يجاب إلى هذا لما فيه من الربا ؛ لأنه يصير آخذا لثلثي صاع بدلا من الصاع وهذا قول أبي إسحاق المروزي .
والوجه الثاني : يجاب إلى هذا ويعطى من الصاعين ثلثي صاع ؛ لأن المالك لا يجبر على بيع ملكه ، ولا يكون هذا ربا ؛ لأن الربا يجري في البياعات ، ولم يجر بين الغاصب والمغصوب منه في هذا بيع ، وإنما هو تارك بعض المكيلة فيكون مسامحا .