مسألة : قال الشافعي رحمه الله : ولو أخذ بشفعته ونفذ الحكم بالبيع على صاحبه الغائب ( قال ادعى الشفيع على رجل أنه اشترى الشقص الذي في يديه من صاحبه الغائب ودفع إليه ثمنه وأقام عدلين بذلك عليه المزني ) رحمه الله : هذا قول الكوفيين وهو عندي ترك لأصلهم في أنه لا يقضى على غائب وهذا غائب قضي عليه بأنه باع وقبض الثمن وأبرأ منه إليه المشتري وبذلك أوجبوا الشفعة للشفيع " .
قال الماوردي : وقد مضت هذه المسألة ، وإنما أعادها المزني ليتكلم بها على أهل العراق ، فإن غاب ملك الشقص تاركا حقه في يد نائب عنه ، فادعى الشفيع على الحاضر أنه اشترى حصة الغائب ، وأنكر صاحب اليد الشراء حلف ما لم تقم بينة عليه . فإن قامت عليه بينة به حكم عليه بالشراء ، وعلى الغائب بالبيع ، وللشريك الشفعة ، وهذا قول وافقه أبو حنيفة وأهل العراق مع إنكارهم القضاء على الغائب فاعترض عليهم المزني بأنهم تركوا أصولهم وناقضوا أقوالهم على غائب ينكرون القضاء عليه فاختلف أصحابنا في صحة ما اعترض به المزني عليهم من مناقضة أصلهم .
[ ص: 298 ] فقالت طائفة : إن اعتراض المزني غير متوجه عليهم وليس ذلك نقضا لأصلهم ؛ لأنهم لا يقضون على غائب ما لم يتصل بحاضر يتعلق عليه الحكم وهذا قضاء على المشتري الحاضر ، وعلى البائع الغائب ، فنفذ القضاء عليه مع غيبته لنفوذه على المشتري بحضوره مع أن أبا حنيفة يجعل المشتري وكيلا للشفيع في تملك الشقص له من البائع وهو يرى القضاء على وكيل الغائب .
وقالت طائفة أخرى منهم أبو الفياض : إن هذا نقض لأصلهم على ما ذكره المزني في الاعتراض عليهم ؛ لأن دعوى الشفيع للمشتري عقد البيع كدعوى المشتري ودعوى المشتري عندهم مردودة ؛ لأنها دعوى على غائب فإذا ردوا دعوى المشتري ، وامتنعوا من القضاء له بالشراء على الغائب لزمهم أن يردوا دعوى الشفيع ويمنعوا من القضاء له على الغائب ، وإن أجازوها للشفيع لزم إجازتها للمشتري .