مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : " فإن هرب الجمال ، فعلى الإمام أن يكتري عليه في ماله " .  
قال  الماوردي      : وصورتها في رجل  اكترى جملا من جمال ليركبه إلى  مكة   أو يركبه مدة معلومة أو اكتراه لحمولة فهرب الجمال   ، فلا يخلو حال الجمل المكترى من أحد أمرين :  
إما أن يخلفه مع الراكب أو يهرب به معه ، فإن خلفه مع الراكب فللراكب أن يستوفي حقه في ركوبه إلى  مكة   ، والجمل لا يستغني في مدة الركوب عن خادم وعلوفة . وذلك حق للراكب على الجمال ، فإن وجد الراكب حاكما رفع أمره إليه حتى يحكم في مال الجمال إن وجد له مالا بأجرة خادم وثمن علوفة ، وإن لم يجد له مالا اقترض عليه من أجنبي أو من الراكب قدر ما يصرفه في أجرة خادم وثمن علوفة ؛ ليكون ذلك دينا على الجمال يرجع به المقرض عليه متى وجده ، أو في ماله أين وجد ، والأولى أن يقدر الحاكم أجرة الخادم وثمن العلوفة ليسقط التنازع ، فإن أنفق الراكب زيادة على تقدير الحاكم فهي تطوع لا يرجع بها على الجمال ، وإن لم يقدر الحاكم أجرة الخادم وثمن العلوفة لاختلاف ذلك باختلاف المنازل جاز توسط الراكب فيها بالمعروف من غير سرف ولا تقصير .  
فإن  اختلف الراكب والجمال في قدر النفقة   ، ففيه لأصحابنا ثلاثة أوجه قد أشار إليها  الشافعي   في كتاب الأم :  
أحدها : أن القول فيه قول الراكب المنفق : لأنه أمين .  
والقول الثاني : أن القول قول الجمال : لأنه غارم .  
والوجه الثالث : أنه يرجع فيه إلى عرف الناس وعادتهم في علف مثلها ، فإذا وافق ذلك قول أحدهما فهو المعول عليه سواء وافق قول الجمال أو الراكب أو خالفهما ، وهذا اختيار  الشافعي      - رضي الله عنه - وإن خالف قياس الأصول الموجبة لأحد المذهبين فقد يترك القياس إذا تفاحش إلى ما يكون عدلا بين الناس . فأما إن أنفق الراكب بغير حكم الحاكم ، ولا استئذانه ، فإن فعل ذلك مع القدرة على الحاكم كان متطوعا لا يرجع بما أنفق .  
وإن فعل ذلك لتعذر الحاكم ، أو عدمه فإن لم يشهد بالرجوع لم يرجع ، وإن أشهد أنه ينفق ليرجع ففي رجوعه وجهان :      [ ص: 422 ] أحدهما : لا يرجع : لأنه يصير حاكما لنفسه ليستوفي حقه بمال غيره ، وكما لا يرجع مستودع الدابة على ربها بثمن علوفتها .  
والوجه الثاني : يرجع بما أنفق : لأنه حق على غائب فجاز عند الضرورة أن يتوصل صاحبه إليه بحسب المكنة ، كما يجوز لصاحب الدين الممنوع أن يتوصل إلى أخذه من مال من هو عليه جهرا وسرا بحكم وغير حكم ، وخالف ذلك حال مستودع الدابة لتطوعه باستيداعها فصار متطوعا بنفقتها ، فهذا حكم الجمال إذا هرب وخلف الجمل مع الراكب .  
				
						
						
