مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا تكارى الأرض التي لا ماء لها إنما يسقى بنطف سماء ، أو بسيل إن جاء ، فلا يصح كراؤها إلا على أن يكريه إياها أرضا بيضاء لا ماء لها يصنع بها المستكري ما شاء في سنته إلا أنه لا يبني ولا يغرس ؛ فإذا وقع على هذا صح الكراء ولزمه زرع أو لم يزرع ؛ فإن أكراه إياها على أن يزرعها ، ولم يقل : أرضا بيضاء لا ماء لها وهما يعلمان أنها لا تزرع إلا بمطر أو سيل يحدث ، فالكراء فاسد " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، قد ذكرنا أن لا تجوز إلا أن يكون لها ماء قائم يغتذي به الزرع ، فإذا كانت الأرض بيضاء لا ماء لها ، وإنما تسقى بما يحدث من نطف سماء من مطر ، أو طل ، أو بحدوث سيل من زيادة واد أو نهر ، فلا تصح إجارتها للزرع إلا أن يقول : أجرتها على أنها أرض بيضاء لا ماء لها لتصنع بها ما شئت على أن لا تبني ، ولا تغرس : لأنه إذا لم يشرط هذا - وقد استأجرها للزرع - توهم المستأجر أن المؤجر ملتزم بحفر بئر أو نهر لما عليه من حقوق التمكين ، وذلك غير لازم له فلم يكن بد من شرط ينفي هذا التوهم ، ويزيل هذا الاحتمال ، وإذا كان هكذا فلا يخلو إجارة الأرض للزرع من ثلاثة أقسام : حال العقد
أحدها : أن يشترط أن لا ماء لها ، فالإجارة صحيحة على ما وصفنا وللمستأجر أن يزرعها ولا يغرسها ، ويحفر فيها للزرع بئرا إن شاء ، وعليه طمها عند انقضاء المدة .
والقسم الثاني : أن يشترط أن لها ماء ، وهو ما يحدث من سيل ، أو مطر فالإجارة باطلة : لأن السيل والمطر قد يحدث ، وقد لا يحدث .
والقسم الثالث : أن يطلق العقد ، فلا يشرط أنها بيضاء لا ماء لها ، ولا يشرط أن لها ماء يحدث ، فلا يخلو حال الأرض من أمرين :
أحدهما : أن تكون رخوة يمكن حفر بئر فيها ، أو شق نهر إليها ، فالإجارة باطلة لما فيها من احتمال التزام المؤجر لذلك .
والثاني : أن تكون صلبة لا يمكن حفر بئر فيها ، ولا شق نهر إليها كأراضي الجبال ، ففيه وجهان حكاهما أبو إسحاق المروزي :
أحدهما : وهو اختياره أن إجارتها مع عدم الشرط وإطلاق العقد جائزة : لأن استحالة ذلك فيها يغني عن الشرط ، ويقوم مقامه .
[ ص: 460 ] والوجه الثاني : أن إجارتها مع الإطلاق باطلة ما لم يقترن بها شرط : لأنه مع استحالة حفرها قد يجوز أن ينصرف إلى زرعها بما يحدث من سيل أو سماء .