الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن غرقها بعد أن صح كراؤها نيل ، أو سيل ، أو شيء يذهب الأرض ، أو غصبت انتقض الكراء بينهما من يوم تلفت الأرض " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في أرض استؤجرت للزرع فغرقت ، أو غصبت ، فلا يخلو حال غرقها أو غصبها من أحد أمرين ، إما أن يكون زمانا يسيرا كالثلاث فما دون ، فالإجارة صحيحة لا تبطل بما حدث من غرقها أو غصبها ، في هذه المدة اليسيرة ، لكنه عيب قد طرأ ، والمستأجر لأجله بالخيار بين المقام أو الفسخ ، وإن كان الزمان كثيرا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون في ابتداء المدة من حين الإجارة ، فقد بطلت للحائل بين [ ص: 462 ] المستأجر وما استأجره ، كما لو مات العبد ، أو انهدمت الدار ، ثم للمستأجر أن يرجع بالأجرة كلها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون بعد مضي بعض المدة ، كأنه مضى من المدة نصفها ، وبقي نصفها ، فالإجارة فيما بقي منها باطلة ، ثم مذهب الشافعي - رضي الله عنه - جوازها فيما مضى ، ومن أصحابنا من خرج قولا ثانيا : أنها باطلة فيما مضى لبطلانها فيما بقي ؛ جمعا للصفقة ومنعا من تفريقها في الحكم ، وهو تخريج فاسد ، لما تقدم من تعليل فساده .

                                                                                                                                            فإذا قيل بهذا التخريج في بطلان ما مضى ، وما بقي رجع المستأجر بجميع المسمى ، ورجع المؤجر بأجرة مثل ما مضى ، وإذا قيل بصحتها فيما مضى وأن تبطل فيما بقي ، فالمذهب لزومه وسقوط خيار المستأجر فيه ، فعلى هذا يقيم عليه بقسطه من الأجرة ، وفيه وجه آخر أن له فيه الخيار لما حدث من تفريق الصفقة بين المقام أو الفسخ . فإن فسخ التزم أجرة مثل ما مضى ورجع بالمسمى ، وإن أقام فأصح القولين أنه يقيم بقسطه من الأجرة ، والثاني - وهو مخرج - : أنه يقيم بكل الأجرة ، وإلا فسخ .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية