فصل : فإذا تقرر جواز الإحياء قال الشافعي : بلاد المسلمين شيئان .
عامر ، وموات ، وإنما خص الشافعي بلاد المسلمين بما ذكره من قسمي العامر والموات ، وإن كانت بلاد الشرك قسمين : عامر وموات ؛ لما ذكره من أن عامر بلاد المسلمين لأهله لا يملك عليه إلا بإذنهم ، وعامر بلاد الشرك قد يملك عليهم قهرا وغلبة بغير إذنهم ، وإذا كان كذلك بدأنا بذكر العامر من بلاد المسلمين ثم بمواتهم ، أما : العامر فلأهله الذين قد ملكوا بأحد أسباب التمليك وهي ثمانية
أحدها : الميراث .
والثاني : المعاوضات .
والثالث : الهبات .
والرابع : الوصايا .
والخامس : الوقف .
والسادس : الصدقات .
والسابع : الغنيمة .
والثامن : الإحياء .
فإذا ملك عامرا من بلاد الإسلام بأحد هذه الأسباب الثمانية ، صار مالكا له ولحريمه ومرافقه من فناء وطريق ومسيل ماء وغير ذلك من مرافق العامر التي لا يستغني العامر عنها ، فلا يجوز أن يملك ذلك على أهل العامر بإحياء ولا غيره ، فمن أحياه لم يملكه . وقال داود بن علي : استدلالا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : حريم العامر كسائر الموات من أحياه فقد ملكه وهذا خطأ ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحيا أرضا مواتا فهي له لا حمى إلا في ثلاث : ثلة البئر ، وطول الفرس ، وحلقة القوم .
[ ص: 476 ] وثلة البئر : هو ملقى طينها ، وطول الفرس : وهو ما انتهى الفرس إليه بحبله الذي قد ربط به ، وحلقة القوم : فإنه نهى منه عن الجلوس وسط الحلقة ، ولأن حريم العامر قد كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم على عهد خلفائه مقرا على أهله لم يتعرض أحد لإحيائه مع ما انتهوا إليه عند كثرتهم من ضيق العامر بهم ، ولأنه لو جاز إحياء حريم العامر ومنع أهله منه بالإحياء ليبطل العامر على أهله وسقط الانتفاع به : لأنه يقضي إلى أن يبني الرجل دارا يسد بها باب جاره فلا يصل الجار إلى منزله ، وما أدى إلى هذا من الضرر كان ممنوعا منه ، وليس الحريم مواتا ، فيصح استدلال داود عليه .