فصل : والضرب الثاني : في الأصل ، فقد اختلف الفقهاء في جواز تملكه بالإحياء على ثلاثة مذاهب : فمذهب ما كان عامرا من بلاد الإسلام ثم خرب حتى ذهبت عمارته ، واندرست آثاره فصار مواتا الشافعي منها : أنه لا يجوز أن يملك بالإحياء ، سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .
[ ص: 478 ] وقال مالك : يصير كالموات الجاهلي يملكه من أحياه سواء عرف أربابه ، أو لم يعرفوا .
وقال أبو حنيفة : إن عرف أربابه فهو على ملكهم لا يملك بالإحياء ، وإن لم يعرفوا ملك بالإحياء : استدلالا بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : وحقيقة الموات : ما صار بعد الإحياء مواتا ، وما لم يزل مواتا فإنما يسمى مجازا ، قالوا : ولأن ما صار مواتا من العامر زال عن حكم العامر كالجاهلي ، ولأنه موات فجاز إحياؤه كسائر الموات : ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أحيا أرضا مواتا فهي له وهذا مال لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه مسلم .
وروى عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فجعل من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد فهو أحق بها شرطا في جواز ملكه بالإحياء ، فدل على أن ما جرى عليه ملك لم يجز أن يملك بالإحياء ، وروى زوال الملك عن الموات أسمر بن مضرس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ، قال : فخرج الناس تبعا يتخاطون ، وهذا نص ، ولأنها أرض استقر عليها ملك مسلم ، فلم يجز أن تملك بالإحياء كالذي بقيت آثارها مع من سبق إلى ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له مال مالك ، وكالذي تعين أربابها مع أبي حنيفة ، ولأن ما صار مواتا من عامر المسلمين لم يجز أن يملك بالإحياء كالأوقاف والمساجد .
وأما استدلالهم بقوله - صلى الله عليه وسلم - : فهو دليل عليهم : لأن الأول قد أحياها فوجب أن يكون أحق بها من الناس لأمرين : من أحيا أرضا مواتا فهي له
أحدهما : أنه أسبق .
والثاني : أن ملكه قد ثبت باتفاق .
وأما الجواب عن قياسهم على الجاهلي وعلى الذي لم يزل مواتا ، فالمعنى فيهما أنهما لم يجر عليهما ملك مسلم .