فصل :  فإن قال : أريد إحياءها للزرع فلا بد لها من ثلاثة شروط      :  
أحدها : أن يجمع لها ترابا يحيط بها ويميزها عن غيرها ، وهو الذي يسميه أهل العراق سناه .  
والشرط الثاني : أن يسوق الماء إليها إن كانت يبسا من نهر أو بئر ، وإن كانت بطائح حبس الماء عنها : لأن إحياء البطائح يحبس الماء على شروطه .  
 [ ص: 487 ] والشرط الثالث : أن يخزنها ليمكن زرعها ، والحرث يجمع ويمسح ما استعلى من تطويل ما انخفض ، فإن ساق الماء ولم يحرث فقد ملك الماء وحريمه ، ولم يملك ما تحجر عليه ، فإذا حرث بعد التحجير وسوق الماء فقد اختلف أصحابنا في كمال الإحياء وحصول الملك ، على ثلاثة أوجه :  
أحدها : وهو المنصوص في كتاب الأم ، واختاره  أبو إسحاق المروزي   أن الإحياء قد كمل ، والملك قد تم وإن لم يزرع ولم يغرس : لأن مثابة الزرع بعد العمارة بمثابة السكنى بعد البناء ، وليس ذلك شرطا في الإحياء ، كذلك الزرع والغرس .  
والوجه الثاني : وهو المنصوص عليه في هذا الموضع أنه لا يكمل الإحياء ، ولا يتم الملك إلا بالزرع والغرس بعد الحرث : لأنه من تمام العمارة ، ومثابة السكنى بعد البناء بمثابة الحصاد بعد الزرع .  
والوجه الثالث : وهو قول  أبي العباس بن سريج      : لا يكمل الإحياء ولا يتم الملك إلا بالزرع أو الغرس ثم بالسقي ، فما لم يسق لم يكمل الإحياء : لأن العمارة لم تكمل ، والوجه الأول أصحها ، فإذا كمل الإحياء بما وصفنا ، واستقر ملك المحيي عليها بما بينا ، فهي أرض عشر وليست أرض خراج ، سواء سقيت بماء العشر ، أو بماء الخراج .  
وقال  أبو حنيفة   ،  وأبو يوسف      : إن ساق إليها ماء الخراج وسقاها به فهي أرض خراج ، وإن ساق إليها ماء العشر فسقاها به فهي أرض عشر ، وقال  محمد بن الحسن      : إن كانت الأرض المحياة على أنهار احتفرتها الأعاجم فهي أرض خراج ، وإن كانت على أنهار أجراها الله تعالى كدجلة ، والفرات ، والنيل ، والبحر فهي أرض عشر ، وقد أجمع العراقيون على أن ما أحيي من موات  البصرة   وسباخها أرض عشر ، أما على قول  محمد بن الحسن   فلأن  دجلة البصرة   مما أجراه الله تعالى من الأنهار ، وما عليها من الأنهار المحدثة ، فهي محياة احتفرها المسلمون في الموات ، وأما  أبو حنيفة   فقد اختلف في علة ذلك على قوله ، فذهب بعض أصحابنا إلى أن العلة في ذلك أن ماء  دجلة   والفرات   يستقر في البطائح فينقطع حكمه ويذهب الانتفاع به ثم يخرج إلى  دجلة   والبصرة   فلا يكون من ماء الخراج : لأن البطائح ليست من أنهار الخراج ، وهذا قول  طلحة بن آدم   ، وقال آخرون : إن علة ذلك ومعناه أن ماء الخراج يفيض إلى  دجلة البصرة   في حرزها ، وأرض  البصرة   يشرب من مدها ، والمد من البحر وليس من  دجلة   والفرات   ، وهذا تعليل جعلوه عذرا لمذهبهم حين شاهدوا الصحابة ومن تعقبهم من التابعين - رضي الله عنهم - قد أجمعوا عند إحياء  البصرة   وهي أول  مصر   بني في الإسلام على أنها أرض عشر لم يضرب عليها خراج ، وليست العلة فيه إلا أنه موات استحدث إحياؤه ، وكذلك كل موات أحيي ؛ ولأنه لو كان حكم الأرض معتبرا بمائها حتى تصير أرض العشر خراجا بماء الخراج لوجب أن تصير أرض الخراج عشرا بماء العشر ، وفي تركهم للقول بذلك في ماء العشر إبطال لما قالوه في ماء الخراج ، ولأن الأرض أصل ، والماء فرع ، لأمرين :      [ ص: 488 ] أحدهما : أن الماء قد يصرف عن أرض إلى أخرى ويساق إليها ماء أرض أخرى .  
والثاني : أن الخراج مضروب على الأرض دون الماء ، والعشر مستحق في الزرع دون الأرض والماء إذا كان الماء فرعا لا يتعلق به أحد الحقين لم يجز أن يعتبر به واحد من الحقين .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					