فصل : فعلى هذا إذا لم يملكها كما أقطعها الإمام رجلا فما لم يتصرف فيهما بالعمل : لا يملك الموات بالإقطاع ما لم يحيه ، فإذا عمل فيها صار مالكها ، وفي ملكه قولان
أحدهما : أنه قد ملكها ملكا مؤبدا ، سواء أقام على العمل أو ترك ، كما يملك الموات بالإحياء سواء استدام عمارته أو عطله ، فعلى هذا يكون إذن الإمام شرطا في ثبوت ملكها وإن لم يكن إذنه في إقطاعها شرطا في تناول ما فيها ، لكونه على أصل الإباحة ، والقول الثاني : أن ملكه لها مقدر بمدة عمله فيها فما أقام على العمل فهو على ملكه ، وله منع الناس منه ، فإذا فارق العمل زال ملكه عنه وعاد إلى أصل الإباحة إلا أن يكون ذلك لتعذر آلة أو هرب عبد ، فلا يزول ملكه ما كان ناويا للعمل حتى يقطع قطع ترك فيزول ملكه ، وإنما كان كذلك : لأن عمله يكون إحياء للطبقة التي عمل فيها فصار مالكا لها بإحيائه وعمله ، فأما ما تحت تلك الطبقة فلم يقع عليها عمل ، ولم يحصل فيها إحياء فلم يملكها ، فعلى هذا اختلف أصحابنا : هل يكون إذن الإمام شرطا في ثبوت ملكه عليها مدة عمله فيها ؟ على وجهين :
أحدهما : أن إذنه شرط فيه حتى يجوز منع غيره كما لو قيل بتأييد ملكه .
والوجه الثاني : أن إذنه ليس بشرط كما لم يكن إذنه شرطا في إحياء الموات : لأن ملكه فيها يختص بما باشر عمله ، ويجوز له عند شروعه في العمل أن يمنع غيره من الموضع الذي عمل فيه ، ولا يمنعه من غير ذلك الموضع من العذر كما لا يمنع بشروعه في إحياء الموات من غير إقطاع إلا من الموضع الذي عمل فيه ، والله أعلم .