الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل معدن عمل فيه جاهلي ثم استقطعه رجل ، ففيه أقاويل أحدها أنه كالبئر الجاهلي والماء العد ، فلا يمنع أحد أن يعمل فيه ، فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم عملوا معا ، وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ، ثم يتبع الآخر حتى يتآسوا فيه ، والثاني للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول فيه ، ولا يملكه إذا تركه ، والثالث يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيها عمارة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي :

                                                                                                                                            أحدها : أنه كالسر الجاهلي والماء العد ، فلا يمنع أحد يعمل فيه ، فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم غلوا معا ، وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ، ثم يتبع الآخر فالآخر فالآخر حتى يتساووا فيه .

                                                                                                                                            [ ص: 500 ] والثاني : للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول يعمل فيه ولا يملكه إذا تركه ، والثالث يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيها عمارة .

                                                                                                                                            اعلم أن المعادن الباطنة ضربان : ضرب لم يعمل فيه ، وضرب عمل فيه ، فأما ما لم يعمل فيه فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعمل منه بما يشاهد من ظاهره أنه إن عمل فيه ظهر نيله وأجاب ولم يخلف ، فهذا هو الذي ذكرنا اختلاف قول الشافعي في جواز إقطاعه ، ومن لم يقطع فهو على أصل الإباحة لمن ورده أن يعمل فيه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن لا يعلم منه ظهور نيله يقينا ، وقد يجوز أن يخلف ويجوز أن لا يخلف ، فقد اختلف أصحابنا فيه هل يجري عليه حكم الموات في جواز إقطاعه وتأييد ملكه بالإحياء ، أو يجري عليه حكم المعادن ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يجري عليه حكم الموات في جواز إقطاعه وتأييد ملكه بالإحياء : لأنه من جملة الموات ما لم يتيقن كونه معدنا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجري عليه حكم المعادن تغليبا لظاهر أمرها ما لم يتيقن كونه مواتا ، والأول أصح ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية