مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإذا أعرب عن نفسه فامتنع من الإسلام لم يبن لي أن أقتله ولا أجبره على الإسلام ، وإن وجد في مدينة
أهل الذمة لا مسلم فيهم فهو ذمي في الظاهر حتى يصف الإسلام بعد البلوغ " .
قال
الماوردي : اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=26413من يجرى عليه حكم الإسلام قبل بلوغه على أربعة أقسام :
أحدها : من يجري حكم الإسلام عليه بإسلام أبويه فيصير بإسلامهما مسلما . وروى
أبو اليزيد عن
الأعرج عن
أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923558كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه يهودانه وينصرانه كما تناقح الإبل من بهيمة جمعاء هل تحسون من جدعاء ؟ قالوا : يا رسول الله ، أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين فمعنى قوله : " يولد على الفطرة " يريد على الإقرار بأن الله خالقه : لأن جميع الناس على اختلاف أديانهم يعلمون أن الله خالقهم ، ثم يهود
اليهود أبناءهم وينصر
النصارى أبناءهم ، أي : يعلمونهم ذلك . وضرب لهم مثلا بالإبل إذا نتجت من بهيمة جمعاء ، والجمعاء هي السليمة ، وإنما سميت بذلك لاجتماع السلامة لها في أعضائها فتجدع أنوف نتاجها وتفقأ عيونها ، فأما إذا أسلم أحد الأبوين فإن كان الأب منهما هو المسلم كان ذلك إسلاما له ، وإن أسلمت الأم فمذهب
الشافعي وأبي حنيفة أن إسلامها إسلام له كالأب ، وقال مالك : ليكون إسلام الأم إسلاما له ، وهذا خطأ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
الإسلام يعلو ولا يعلى " ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923559فأبواه يهودانه وينصرانه فجعل اجتماعهما موجبا لتهوده دون انفرادهما ، ولأنها لو أسلمت وهي حامل كان ذلك إسلاما لحملها إذا وضعت كذلك إذا أسلمت بعد الوضع ، ولأنها أحد الوالدين ، فصار الطفل بها مسلما كالأب ، فأما استدلاله بالحرية فقد يعتبر بالأب كما يعتبر بالأم ، ألا ترى أنه لو ولد منه كان الولد حرا ، فإذا ثبت أن إسلام أحد الأبوين يكون إسلاما لغير البالغ من أولادهما ، فكذلك يكون إسلاما لمن بلغ منهم مجنونا : لأن المجنون تبع لغيره ، فأما البالغ العاقل فلا يكون إسلام الأبوين أو أحدهما إسلاما له : لأن الإسلام يصح منه ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=8120إذا بلغ الكافر عاقلا ثم جن فهل يكون إسلام أبويه إسلاما له أم لا ؟ على وجهين :
[ ص: 45 ] أحدهما : لا يكون ذلك إسلاما له : لأنه قد فعل الكفر بنفسه بعد بلوغه فاستقر حكمه .
والوجه الثاني : وهو اختيار أكثر أصحابنا : أنه لا يصير مسلما : لأنه بزوال العقل وخروجه عن حد التكليف قد صار تبعا ، فإذا تقرر ما وصفناه وصار الطفل أو المجنون مسلما بإسلام أبويه أو أحدهما ، ثم بلغ الصبي وأفاق المجنون ، فإن أقاما على الإسلام فقد استدام حكم إسلامهما ، وإن رضيا الكفر لم يقبل منهما وصارا بذلك مرتدين يقتلان إذا أقاما على الردة ، سواء أقرا بالإسلام بعد البلوغ والإفاقة أو لم يقرا به .
وقال بعض أصحابنا : إن كانا بعد البلوغ والإفاقة قد أقرا بالإسلام والتزما حكمه بفعل عبادته من الصلاة والصيام جعلتهما مرتدين ، وإن لم يوجد ذلك منهما لم أحكم بردتهما : لأن جريان حكم الإسلام عليهما تبعا أضعف من جريان حكمه عليهما إقرارا وعملا ، وهذا خطأ لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم [ الطور : 21 ] فأخبر بإيمان الذرية تبعا لآبائهم ، فلم يجز أن ينتقل حكم الإيمان عنهم ، ولأن ما أوجب إسلامه أوجب إلزامه كالإقرار ، فهذا حكم القسم الأول .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " فَإِذَا أَعْرَبَ عَنْ نَفْسِهِ فَامْتَنَعَ مِنَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَبِنْ لِي أَنْ أَقْتُلَهُ وَلَا أُجْبِرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَإِنْ وُجِدَ فِي مَدِينَةِ
أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا مُسْلِمَ فِيهُمْ فَهُوَ ذِمِّيٌّ فِي الظَّاهِرِ حَتَّى يَصِفَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْبُلُوغِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26413مَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : مَنْ يَجْرِي حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ فَيَصِيرُ بِإِسْلَامِهِمَا مُسْلِمًا . وَرَوَى
أَبُو الْيَزِيدِ عَنِ
الْأَعْرَجِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923558كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ كَمَا تَنَاقَحُ الْإِبِلُ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ مِنْ جَدْعَاءَ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهُوَ صَغِيرٌ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ : " يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ " يُرِيدُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ : لِأَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ ، ثُمَّ يُهَوِّدُ
الْيَهُودُ أَبْنَاءَهُمْ وَيُنَصِّرُ
النَّصَارَى أَبْنَاءَهُمْ ، أَيْ : يُعَلِّمُونَهُمْ ذَلِكَ . وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا بِالْإِبِلِ إِذَا نَتَجَتْ مِنْ بَهِيمَةٍ جَمْعَاءَ ، وَالْجَمْعَاءُ هِيَ السَّلِيمَةُ ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ السَّلَامَةِ لَهَا فِي أَعْضَائِهَا فَتَجْدَعُ أُنُوفَ نِتَاجِهَا وَتَفْقَأُ عُيُونَهَا ، فَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مِنْهُمَا هُوَ الْمُسْلِمُ كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا لَهُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتِ الْأُمُّ فَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إِسْلَامَهَا إِسْلَامٌ لَهُ كَالْأَبِ ، وَقَالَ مَالِكٌ : لِيَكُونَ إِسْلَامُ الْأُمِّ إِسْلَامًا لَهُ ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى " وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923559فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ فَجَعَلَ اجْتِمَاعَهُمَا مُوجِبًا لِتَهَوُّدِهِ دُونَ انْفِرَادِهِمَا ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا لِحَمْلِهَا إِذَا وَضَعَتْ كَذَلِكَ إِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْوَضْعِ ، وَلِأَنَّهَا أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ ، فَصَارَ الطِّفْلُ بِهَا مُسْلِمًا كَالْأَبِ ، فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْحُرِّيَّةِ فَقَدْ يُعْتَبَرُ بِالْأَبِ كَمَا يُعْتَبَرُ بِالْأُمِّ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ مِنْهُ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ إِسْلَامَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ يَكُونُ إِسْلَامًا لِغَيْرِ الْبَالِغِ مِنْ أَوْلَادِهِمَا ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ إِسْلَامًا لِمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا : لِأَنَّ الْمَجْنُونَ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ ، فَأَمَّا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يَكُونُ إِسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا إِسْلَامًا لَهُ : لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ مِنْهُ ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=8120إِذَا بَلَغَ الْكَافِرُ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَهَلْ يَكُونُ إِسْلَامُ أَبَوَيْهِ إِسْلَامًا لَهُ أَمْ لَا ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ :
[ ص: 45 ] أَحَدُهُمَا : لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِسْلَامًا لَهُ : لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْكُفْرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَاسْتَقَرَّ حُكْمُهُ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا : أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا : لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ وَخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ التَّكْلِيفِ قَدْ صَارَ تَبَعًا ، فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ وَصَارَ الطِّفْلُ أَوِ الْمَجْنُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ ، فَإِنْ أَقَامَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَدِ اسْتَدَامَ حُكْمُ إِسْلَامِهِمَا ، وَإِنْ رَضِيَا الْكُفْرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا وَصَارَا بِذَلِكَ مُرْتَدَّيْنِ يُقْتَلَانِ إِذَا أَقَامَا عَلَى الرِّدَّةِ ، سَوَاءٌ أَقَرَّا بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ أَوْ لَمْ يُقِرَّا بِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : إِنْ كَانَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ قَدْ أَقَرَّا بِالْإِسْلَامِ وَالْتَزَمَا حُكْمَهُ بِفِعْلِ عِبَادَتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ جَعَلْتُهُمَا مُرْتَدَّيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْهُمَا لَمْ أَحْكُمْ بِرِدَّتِهِمَا : لِأَنَّ جَرَيَانَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمَا تَبَعًا أَضْعَفُ مِنْ جَرَيَانِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمَا إِقْرَارًا وَعَمَلًا ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=21وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [ الطُّورِ : 21 ] فَأَخْبَرَ بِإِيمَانِ الذُّرِّيَّةِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ حُكْمُ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ ، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ إِسْلَامَهُ أَوْجَبَ إِلْزَامَهُ كَالْإِقْرَارِ ، فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ .