الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن لم تكن عصبة برحم يرث فالمولى المعتق ، فإن لم يكن فأقرب عصبة مولاه الذكور ، فإن لم يكن فبيت المال " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . والولاء يورث به كالتعصيب قال الله تعالى : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون [ النساء : 33 ] وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : مولى القوم منهم ، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الولاء لحمة كلحمة النسب وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من تولى إلى غير مواليه فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه وأعتقت بنت حمزة بن عبد المطلب عبدا فمات وترك بنتا ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصف ماله لبنته والباقي لبنت حمزة معتقته ، فإذا ثبت هذا فكل من أعتق عبده فله ولاؤه مسلما كان المعتق أو كافرا . وقال مالك : لا ولاء للكافر إذا أعتق عبدا مسلما لقطع الله تعالى الموالاة بينهما باختلاف الدين ، وهذا فاسد بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق وقال صلى الله عليه وسلم : " الولاء لحمة كلحمة النسب " ، فلما كان النسب ثابتا بين الكافر والمسلم وإن لم يتوارثا كان الولاء بينهما ثابتا ولا يتوارثان به ، فإن أسلم ورث ، فإذا ثبت استحقاق الميراث بالولاء فعصبة النسب تتقدم في الميراث على عصبة الولاء : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه عصبة الولاء بعصبة النسب ، ومعلوم أن ما ألحق بأصل فإنه متأخر عن ذلك الأصل ، ألا ترى أن ابن الابن لما كان في الميراث ملحقا بالابن تأخر عنه والجد لما كان ملحقا بالأب تأخر عنه ، وإذا كان كذلك فمتى كان للمعتق عصبة مناسب كان أولى بالميراث من المولى ، وإن لم يكن له عصبة وكان له ذو فرض تقدموا بفروضهم على الموالي لأنهم يتقدمون بها على العصبة ، فكان تقديمهم بها على المولى أولى ، فإن لم يكن عصبة نسب ولا ذو فرض يستوعب بفرضه جميع التركة كانت للتركة أو ما بقي منها بعد فرض ذي الفرض للمولى يتقدم به على ذوي الأرحام في قول من ورث ذوي الأرحام من المتأخرين ، إلا ما روي عن عمر وابن مسعود وابن عباس ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم - أنهم قدموا ذوي الأرحام على الموالي ، وفيما مضى من إسقاط ميراث ذوي الأرحام دليل كاف ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية