الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال المودع أخرجتها لما غشيتني النار ، فإن علم أنه قد كان في تلك الناحية نار أو أثر يدل فالقول قوله مع يمينه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال .

                                                                                                                                            إذا أخرج الوديعة من حرز شرط عليه ألا يخرجها منه ، فقد ذكرنا أنه إن كان لضرورة لم يضمن ، وإن كان بغير ضرورة ضمن ، فلو اختلف المودع والمستودع فقال المستودع أخرجتها لنار غشيت أو لغارة حدثت ، فلا ضمان علي ، وقال المودع : بل أخرجتها بغير سبب فعليك الضمان ، فلا يخلو حال هذه الدعوى في غشيان النار وحدوث الغارة من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلمه عيانا ، أو خبرا ، أو يرى لذلك أثرا ، فالقول قول المستودع مع يمينه بالله تعالى أنه أخرجها لذلك وإنما يلزمه اليمين ، وإن علمنا حال العذر لجواز أن يكون إخراجه لها لغير هذا العذر ، وسواء كان حدوث ذلك في داره أو في جواره .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعلم كذب ما ادعاه من حدوث النار والغارة ، فدعواه مردودة بيقين كذبه ولا يمين على المودع لاستحالة الدعوى .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون ما ادعاه ممكنا لجواز أن يكون قد حدث ، ويجوز ألا يكون ، فيقال للمستودع ألا علمت من الحال السلامة والظاهر من إخراجك التعدي ، فإن [ ص: 371 ] أقمت بينة بحدوث الخوف ينتقل بها عن الظاهر جعلنا حينئذ القول قولك مع يمينك بأنك أخرجتها بغشيان النار وحدوث الغارة ، وإن لم تقم بينة تنقلنا عن الظاهر غلبنا حكم الظاهر وجعلنا القول قول المودع مع يمينه بالله بأنه لم يحدث في الناحية نارا ولا غارة ؛ لأن الظاهر معه ويصير ضامنا للوديعة ، فأما إن نقلها خوفا من حدوث غارة أو نار فلم تحدث غارة ولم تغش نار ، فإن كانت أمارات صدق دعواه ظاهرة ودواعيه غالبة لم يضمن ، وإن كان ظنا وتوهما ضمن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية