فصل : وأما  أمان العبد   فجائز كالحر ، سواء كان مأذونا له في القتال أو غير مأذون له ، وأجاز  أبو حنيفة      - رحمه الله - أمانه إذا كان مأذونا له في القتال : وأبطله إذا كان غير مأذون له في القتال احتجاجا بأمرين :
أحدهما : أن الأمان أحد حالتي القتال ، فلم يملكه العبد بغير إذن كالقتال .  
والثاني : أن الأمان عقد ، فلم يملكه العبد بغير إذن كالنكاح .  
ودليلنا ما رواه  الحسن   ، عن  قيس بن عبادة   ، عن  علي      - عليه السلام - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال    : المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم  ، أي عبيدهم : لأنهم أدنى من الأحرار يدا وحكما ، فسوى في  الأمان بين من علا من الأحرار أو دنا من العبيد      .  
فإن قيل : المراد به أدناهم من الكفار جوارا ، قيل : لا يصح حمله على الجار القريب الدار : لأن العبد يساويه فيه وكان جعله على العبد أولى من وجهين :  
أحدهما : لدخوله في الجملة من غير إضمار .  
والثاني : أن يعلم به ما يستفاد من مساواته للحر فيه وإن خالفه فيما عداه .  
وروى  فضيل بن زيد الرقاشي   قال :  جهز  عمر بن الخطاب      - رضي الله عنه - جيشا كنت فيه ، فحضرت موضعا يقال له  صرياج قرية من قرى رامهرمز   ، فرأينا أنا سنفتحها اليوم فرجعنا حتى نقيل فبقي عبد منا فواطأهم وواطئوه ، فكتب لهم أمانا في صحيفة ، وشدها مع سهم رماه إليهم . فأخذوها وخرجوا بأمانه ، فكتب بذلك إلى  عمر   ، فقال : العبد المسلم رجل من المسلمين ذمته ذمتهم .  
وهذا نص لم يخالف فيه فكان إجماعا ، ولأنه مكلف من المسلمين فصح أمانه كالمرأة ، ولأن كل من صح أمانه إذا كان مأذونا له في القتال صح أمانه ، وإن كان غير مأذون له كأمان الولد مع إذن الوالدين وأمان من عليه الدين بإذن صاحب الدين ، يستوي في أمانه وجود الإذن في القتال وعدمه ، ولأن القتال ضد الأمان ، فإذا صح أمان المأذون له في القتال وهو ضد حاله : فلأنه يجوز أمان غير المأذون له وهو موافق لحاله أولى .  
وأما الجواب عن قياسه على القتال فهو أن في القتال تغريرا يفوت به منافع سيده ، وليس في ذلك الأمان .  
وأما الجواب عن قياسه على النكاح : فهو أن عقد النكاح لا يدخل فيه غير عاقده ، فوقف على إذن سيده ، وعقد الأمان يدخل فيه غير العاقد ، فاستوى فيه العبد والسيد .  
 [ ص: 197 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					