مسألة : قال الشافعي : " ولو أن علجا دل مسلمين على قلعة على أن له جارية سماها ، فلما انتهوا إليها ، صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله [ ص: 202 ] ففعل فإذا أهله تلك الجارية ، فأرى أن يقال للدليل : إن رضيت العوض عوضناك بقيمتها ، وإن أبيت قيل لصاحب القلعة أعطيناك ما صالحنا عليه غيرك بجهالة ، فإن سلمتها عوضناك ، وإن لم تفعل نبذنا إليك وقاتلناك ، فإن كانت أسلمت قبل الظفر أو ماتت عوض ، ولا يبين ذلك في الموت كما يبين إذا أسلمت " .
قال الماوردي : وأصل هذا أنه يجوز ، لقيامه بوجوه المصالح ، وذلك بأن يقول : من دلنا على أقرب الطرق ، أو من أوصلنا إلى قلعة ، أو أرشدنا إلى مغنم ، أو أظفرنا بأسباب الفتح من احتلال مضيق وشعب حصون ، أو كان عينا لنا عليهم ونقل أخبارهم ، فله كذا وكذا فهذه جعالة يصح عقدها لمن أجاب إليها من مسلم ومشرك ، لعودها بنفع للجاعل والمستجعل ، ويجوز أن يكون العوض فيها من أموال المسلمين ، ومن أموال المشركين ، فإن كانت من أموال المسلمين لم يصح إلا أن يكون العوض معلوما ، إما معينا ، أو في الذمة : فالمعين أن يقول : فله هذا العبد ، وفي الذمة أن يقول : فله مائة دينار ، فإن كان مجهولا لم يصح : لأن ما أمكن نفي الجعالة عنه منعت الجهالة من صحته كسائر العقود ، وإن كان العوض من أموال المشركين صحت الجعالة ، وإن كان العوض فيها مجهولا وبما ليس في الحال مملوكا : فتكون الجعالة بأموالهم مخالفة للجعالة بأموال المسلمين من وجهين : للإمام ووالي الجهاد أن يبذل في مصالح المسلمين وما يفضي إلى ظفرهم بالمشركين ما يراه من أموالهم وأموال المشركين
أحدهما : جوازها مجهول .
والثاني : جوازها بغير مملوك .
ودليله ما روي بني النضير على أن يأخذوا ما تستوقره الإبل إلا المال والسلاح ، وهذا مجهول وغير مملوك . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صالح
وروي ، وذلك من غنيمة مجهولة وغير مملوكة . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في البدأة الربع ، وفي الرجعة الثلث
وروى عدي بن حاتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب ، وأنتم ستفتحونها ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، هب لي بنت بقيلة . فقال : هي لك ، فلما فتحها أصحابه أعطوه الجارية ، فقال أبوها أتبيعها ، فقال : نعم بألف فأعطاه الألف فقيل له لو طلبت ثلاثين ألفا أعطاك ، فقال : وهل عدد أكثر من ألف .
[ ص: 203 ] وروي أن أبا موسى الأشعري حاصر مدينة السوس ، فصالحه دهقانها على أن يفتح له المدينة ، ويؤمن مائة رجل من أهلها ، فقال أبو موسى : إني لأرجو أن يخـدعه الله عن نفسه ، فلما عزلهم قال له أبو موسى : أفرغت ؟ قال : نعم ، فأمنهم أبو موسى ، وقال : الله أكبر ، وأمر بقتل الدهقان قال : أتغدر بي وقد أمنتني ؟ قال : أمنت العدة الذين سميت ، ولم تسم نفسك فنادى بالويل وبذل مالا كثيرا ، فلم يقبل منه وقتله .