مسألة : قال  الشافعي      : "  وأي أرض فتحت صلحا على أن أرضها لأهلها يؤدون فيها خراجا      : فليس لأحد أخذها من أيديهم ، وما أخذ من خراجها فهو لأهل الفيء دون أهل الصدقات : لأنه فيء من مال مشرك ، وإنما فرق بين هذه المسألة والمسألة قبلها أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض : أفليس بحرام أن يأخذ منه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير : لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه " .  
قال  الماوردي      : اعلم أن ما استولي عليه من أرض بلاد  الترك   ينقسم على خمسة أقسام :  
 [ ص: 266 ] أحدها :  ما فتحوه عنوة واستولوا عليه قهرا   ، فهي ملك للغانمين تقسم بينهم قسمة الأموال بعد أخذ خمسها لأهل الخمس ، وللغانمين أن يتصرفوا فيما قسم لهم تصرف المالكين بالبيع والرهن والهبة ، وإن خالف فيها  مالك   وأبو حنيفة   خلافا قدمناه ، وتكون أرض عشر لا خراج عليها إلا أن يستنزلهم الإمام عنها كالذي فعله  عمر   ، فيكون حكما على ما قدمناه في أرض السواد .  
والقسم الثاني :  ما أسلم عليه أهله   ، فقد صارت تلك الأرض بإسلام أهلها دار إسلام ، وأرضها معشورة لا يجوز أن يوضع عليها خراج .  
وقال  أبو حنيفة      : الإمام مخير فيها بين أن يجعلها عشرا أو خراجا ، فإن جعلها خراجا لم يجز أن ينقلها إلى العشر ، وإن جعلها عشرا جاز أن ينقلها إلى الخراج ، وهذا فاسد من وجهين : نص وتعليل : أحدهما : أن أهل  الطائف   أسلموا ، فأقرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أملاكهم في أرضهم ، فكانت أرض عشر لم يضرب عليها خراجا .  
والثاني : أن الخراج أحد الجزيتين ، فلم يجز أن يؤخذ من مسلم كالجزية على الرءوس .  
والقسم الثالث :  ما جلا عنه أهله من البلاد خوفا حتى استولى عليه المسلمون   ، فأرضهم في مخموس توقف رقابها ، ويصرف ارتفاعها مصرف الفيء ، فإن ضرب الإمام عليها خراجا جاز ، وكان الخراج أجرة يصرف مصرف الفيء ، فيكون في أحد القولين بعد الخمس مصروفا إلى الجيش خاصة ، وفي القول الثاني في جميع المصالح التي منها أرزاق الجيش ، وفيما يصير به وقفا وجهان :  
أحدهما : يصير وقفا بالاستيلاء عليها ، ولا يراعى فيها لفظ الإمام بوقفها .  
والوجه الثاني : لا تصير وقفا إلا أن يتلفظ الإمام بوقفها .  
والقسم الرابع :  ما صولح عليه المشركون من أرضهم على أن يكون ملكا للمسلمين بخراج يؤديه أهلها إلى الإمام   ، فهذه الأرض في ذلك الاستيلاء عليها بغير إيجاف خيل ولا ركاب وتصير وقفا على ما ذكرنا من الوجهين :  
أحدهما : قد صارت وقفا بمجرد الصلح .  
والثاني : بأن يتلفظ الإمام أو من استنابه فيها بوقفها ، وتصير الأرض من بلاد الإسلام ولا يجوز بيعها كسائر الوقوف ، ولا يقر فيها أهلها من المشركين إلا بالجزية المؤداة عن رءوسهم ، ولا تسقط جزيتهم بخراج أرضهم : لأن خراجها أجرة لا جزية . فإن انتقلت إلى يد مسلم لم يسقط عنه خراجها ، وكذلك لو أسلم أهلها .  
 [ ص: 267 ] والقسم الخامس : وهو مسألة الكتاب  أن يصالحوا على الأرضين لهم بخراج يؤدونه عنها   ، فيجوز ويكون هذا الخراج جزية ، والأملاك طلق يجوز بيعها ، وينظر في بلادها ، فإن لم يستوطنها المسلمون ، فهي دار عهد ، وليست دار إسلام ، ولا دار حرب ، ويجوز أن يقر أهلها بالخراج من غير جزية رءوسهم ، ولا يجري عليها من أحكامنا إلا ما يجري على المعاهدين دون أهل الذمة والمسلمين ، وإن استوطنها المسلمون بالاستيلاء عليها صارت دار إسلام ، وصار المشركون فيها أهل ذمة يجب عليهم جزية رءوسهم فإن جمع عليهم بين جزية رءوسهم وبين جزية أرضهما جاز ، وإن اقتصر منهم على جزية أرضهم وحدها جاز إذا بلغ ما يؤخذ من كل واحد من أهلها دينارا فصاعدا .  
وقال  أبو حنيفة      : يجب أن يجمع عليهم بين جزية رءوسهم وجزية أرضهم ، ولا يجوز الاقتصار على جزية الأرض وحدها ، وهذا فساد : لأن الجزية واحدة لا يجوز مضاعفتها على ذي مال ولا غيره كسائر أهل الذمة ، فإن أسلموا سقطت عنهم جزية رءوسهم وجزية أرضهم .  
وقال  أبو حنيفة      : لا تسقط عنهم جزية أرضهم بالإسلام احتجاجا لا خراج عن أرض ، فلم يسقط بالإسلام كالخراج على سواد  العراق      .  
ودليلنا : ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ، ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام  ، ولأنه مال حقنت به دماؤهم فوجب أن يسقط بإسلامهم كالجزية على الرءوس .  
فأما خراج أرض السواد فليس بجزية ، وهو أجرة أحد الوجهين ، وثمن في الوجه الثاني على ما قدمناه من اختلاف أصحابنا فيه ، فافترقا ، وهكذا لو باعوا أرضهم على مسلم سقط خراجها عنه كما يسقط عنه بإسلامهم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					