[ ص: 269 ] باب الأسير يؤخذ عليه العهد أن لا يهرب ، أو على الفداء
قال الشافعي - رحمه الله - : " فله أن يخرج لا يسعه أن يقيم ويمينه يمين مكره " . وإذا أسر المسلم فأحلفه المشركون على أن لا يخرج من بلادهم إلا أن يخلوه
قال الماوردي : ومقدمة هذه المسألة ، فلا يخلو أن يكون فيها ممتنعا أو مستضعفا ، فإن كان فيها مستضعفا لا يأمن أهلها على نفسه وأهله وماله ، وجب عليه إذا قدر على الهجرة أن يهاجر منها إلى دار الإسلام لقول الله تعالى : هجرة من أسلم من أهل الحرب إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها الآية ، [ النساء : 97 ] . فدل على وجوب الهجرة ، ولما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، يعني تنظر ناره إلى ناره فيكثر سواد المشركين . أنا بريء من كل مسلم مع مشرك قيل : ولم يا رسول الله ، قال : لا تراءا ناراهما
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من كثر سواد قوم فهو منهم " ، ولأنه لا يأمن أن يفتن عن دينه أو تسبى الدار فيسترق ولده ، فإن عجز عن الهجرة لضعفه كان معذورا في التأخر عن الهجرة حتى يقدر عليها ، قال الله تعالى : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا [ النساء : 98 ، 99 ] .
فأما ، فإن لم يأمن الافتتان عن دينه كان فرض الهجرة باقيا عليه . إذا كان المسلم في دار الحرب ممتنعا في أهل وعشيرة
وإن أمن الافتتان في دينه سقط فرض الهجرة عنه لاختصاص وجوبها نصا بالمستضعفين وكان مقامه بينهم مكروها : لأن المقام على مشاهدة المنكرات منكر ، والإقرار على الباطل معصية : لأنها تبعث على الرضا ، وتفضي إلى الولاء .
وقال الله تعالى : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [ المائدة : 51 ] .
[ ص: 270 ]