فصل : فإذا ثبت أن الإسلام لا يسقط ما وجب من الجزية ، لم يخل إسلامه من أن يكون بعد انقضاء الحول أو من تضاعيفه .
فإن كان بعد انقضاء الحول واستقرار الوجوب استوفيت منه جبرا وحبس بها إن امتنع .
وإن كان إسلامه في تضاعيف الحول سقطت عنه جزية ما بقي من الحول ، وهل تؤخذ منه جزية ما مضى قبل إسلامه أم لا ؟ على قولين من اختلاف قولي الشافعي في : هل هو مضروب للوجوب أو لا . حول الجزية
فأحد قوليه : أنه مضروب للوجوب كالحول في الزكاة ، فعلى هذا لا جزية عليه فيما مضى منه قبل إسلامه .
والقول الثاني : أنه مضروب للأداء كالحول في عقل الدية ، فعلى هذا تجب عليه جزية ما مضى قبل إسلامه .
وخالف أبو حنيفة القولين معا ، وقال : الجزية تجب بأول الحول ، وتؤخذ في أوله ، وليس الحول فيها مضروبا للوجوب ، ولا للأداء ، وإنما هو مضروب لانقضاء مدتها ، احتجاجا بقول الله تعالى : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [ التوبة : 29 ] . فأمر بالكف عن قتالهم بإعطاء الجزية ، فدل على استحقاقها بالكف عنهم دون الحول .
والدليل على أنها لا يتعلق بأول الحول وجوبها ، ولا أداؤها ، ما روي اليمن أن تؤخذ جزية أهل الكتاب من كل حالم دينارا في كل سنة ، فاقتضى أن يكون وجوبها وأداؤها بعد انقضاء السنة ، ولأنه مال يتكرر وجوبه في كل حول ، فوجب أن لا يلزم أداؤه قبل انقضاء حوله كالزكاة والدية على العاقلة . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب إلى أهل
فأما الجواب عن الدية ، فهو أن المراد بإعطاء الجزية ضمانها دون دفعها ، لإجماعنا على أنهم إذا ضمنوا الجزية حرم قتلهم قبل دفعها .