مسألة : قال الشافعي : " ولو فهو حر حين عقد البيع ، وإنما زعمته من قبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل قال لعبده : أنت حر إن بعتك فباعه بيعا ليس ببيع خيار ، قال : وتفرقهما بالأبدان ، فقال : فكان لو أعتقه عتق فيعتق بالحنث . المتبايعين بالخيار ما لم يتفرقا ،
قال الماوردي : وليس يخلو مع عبده إذا قال له : إن بعتك فأنت حر من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يبيعه بشرط الخيار فيعتق عليه العبد بنفس العقد ، بعد تمامه بالبذل والقبول ، وهذا مما وافق عليه مالك وأبو حنيفة ، لأن خيار الشرط يمنع من إبرام العقد ، وينفذ عتق البائع فيه بالمباشرة ، فنفذ عتقه فيه بالحنث .
والقسم الثاني : أن يبيعه بيعا مطلقا من غير أن يشترط فيه إثبات خيار ولا إسقاطه فيعتق عليه عند الشافعي ؛ لأنه يثبت للمتبايعين خيار المجلس ، ما لم يفترقا فيه بأبدانهما بالخبر المروي فيه .
ولا يعتق عليه في قول مالك وأبي حنيفة ؛ لأن خيار المجلس عندهما لا يثبت ، وينعقد البيع عندهما ناجزا ، وقد مضى الكلام معهما .
وإذا عتق على مذهب الشافعي بطل البيع ، لنفوذ عتقه على البائع ، فصار نفوذ العتق من جهته نسخا يوجب رد الثمن .
والشرط الثالث : أن يبيعه بشرط إسقاط خيار المجلس ، فقد اختلف أصحابنا في صحة البيع ، والشرط على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن البيع جائز ، والشرط لازم يسقط به خيار المجلس ، لأن الخيار [ ص: 406 ] غرر ، فكان إسقاطه أولى بالصحة ، وسماه بيع الخيار لما شرط فيه من إسقاط الخيار ، وتأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : على هذا البيع المشروط فيه إسقاط الخيار ، وحمل قول المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار الشافعي : فباعه بيعا ليس بيع خيار ، على هذا البيع ، لأن فحوى كلامه يقتضي إذا كان بيع خيار أنه لا يعتق عليه ، فيكون البيع ماضيا والخيار مرتفعا ، ولا يعتق العبد عليه لسقوط الخيار فيه .
والوجه الثاني : أن البيع والشرط باطلان ، لأن الشرط مناف لموجب العقد ، فأبطله ، ولا يعتق عليه مع بطلان البيع .
ويكون قول الشافعي : " فباعه بيعا ليس فيه خيار " محمولا على أن ليس فيه خيار .
والثالث : وقد صرح به البويطي في كتابه ، ومراده به الرد على مالك وأبي حنيفة في إسقاطهما خيار المجلس .
ولا يجوز أن يطلق اسم بيع الخيار على ما ليس فيه خيار ، كما تأوله الأول .
والوجه الثالث : أن الشرط باطل ، والبيع جائز ولهما خيار المجلس ، وإنما بطل شرط الخيار ، لإسقاطه قبل استحقاقه ، فجرى مجرى إسقاط الشفعة قبل استحقاقها بالبيع ، وصح البيع مع إسقاط الشرط ، لأنه لم يأخذ من الثمن قسطا ، فعلى هذا يعتق عليه العبد لثبوت الخيار فيه ، ثم يبطل البيع بعد الصحة بعتقه .