مسألة : قال الشافعي : " وإذا فإن أكله إلا تمرة أو هلكت منه تمرة ، لم يحنث حتى يستيقن أنه أكلها ، والورع أن يحنث نفسه " . حلف لا يأكل هذه التمرة ، فوقعت في تمر ،
قال الماوردي : أما إذا حنث ، لأنه أكل مأكولها ، وألقى غير مأكولها ، فانصرفت اليمين في الأكل إلى المأكول منها ، ولم تنصرف إلى غير المأكول . ولو أكلها إلا يسيرا منها كنقرة طائر لم يحنث . حلف : لا يأكل هذه التمرة ، فأكلها إلا نواها وقمعها
وقال مالك : يحنث .
وهكذا لو لم يحنث . حلف لا يأكل هذا الرغيف ، فأكله إلا لقمة منه
وقال مالك : يحنث إذا أكل أكثره ، اعتبارا بالأغلب .
وهذا خطأ ، لأن شرط الحنث إذا لم يكمل ارتفع به الحنث في الحالين .
فأما إذا وقعت التمرة التي حلف عليها أن لا يأكلها في تمر اختلطت به ، فإن أكل جميع التمر حنث ، لإحاطة علمنا بأنه قد أكلها مع غيرها .
وقد وافق على هذا أبو سعيد الإصطخري ، وإن خالف في السمن ، وهو حجة تعيده إلى الوفاق .
وإن أكل جميع التمر إلا تمرة ، أو هلك من جميع التمر تمرة ، لم تخل من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يعلم أنه قد أكل تلك التمرة ، فيحنث .
[ ص: 421 ] والثاني : أن يعلم أنها الباقية التي لم يأكلها ، فلا يحنث .
والثالث : أن يشك ، هل أكلها أو لم يأكلها ، فلا حنث عليه ، لجواز أن يكون المحلوف عليها هي الباقية ، أو الهالكة ، فصار الحنث مشكوكا فيه ، والحنث لا يقع بالشك ، ومستحب له في الورع أن يحنث نفسه احتياطا اعتبارا بالأغلب من حالها أنها في المأكول ، مع تجويز بقائها في العادة .
فإن قيل : فهلا علقتم حكم الوجوب بالغالب من حال هذا ، فحكمتم بحنثه ، كما حكمتم فيمن حلف ليضربن عبده مائة ضربة ، فجمع مائة شمراخ ، وضربه بها ضربة ، وشك في وصول جميعها إلى جسده أنه يبر تغليبا للظاهر في وصول جميعها إلى جسده ، وإن كانت لا تصل لطائفها .
قيل : لوقوع الفرق بينهما بأن المعدود في الضرب معفو ، والوقوع في المحل معلوم ، والحائل دونه مشكوك فيه ، يعمل على الظاهر ، ولم يؤخذ بالشك ، وخالف التمرة ، لأن فعل الأكل فيها غير معلوم ، وهو المختص بالشك ، فاطرح .