مسألة : قال الشافعي : " وإذا لم يحنث ؛ لأنه لم يأكل ما وقع عليه اسم قمح " . حلف أن لا يأكل هذه الحنطة فطحنها أو خبزها أو قلاها ، فجعلها سويقا
قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو يمين من حلف لا يأكل حنطة من أمرين : إبهام أو تعيين .
فإن أبهم ، ولم يعين ، فقال : والله لا أكلت حنطة ، أو لا أكلت الحنطة ، فهما سواء ، ويحنث بأن يأكلها حبا صحيحا ، ولا يحنث أن يأكلها خبزا أو دقيقا أو سويقا وهذا متفق عليه ، لأنه إذا أبهم صارت اليمين معقودة على الاسم دون العين ، فيحنث بما انطلق عليه ذلك الاسم ، ولا يحنث بما زال عنه ذلك الاسم ، وقد زال اسم الحنطة عنها بعد طحنها وخبزها .
ألا تراه لو لم يحنث ، وإن علمنا أن الرجل قد كان صبيا ، والتمر قد كان رطبا ، لانعقاد اليمين في الإبهام على الاسم دون العين . حلف : لا كلم صبيا ، فكلم رجلا ، أو لا أكل رطبا ، فأكل تمرا
وإن عين فقال : والله لا أكلت هذه الحنطة ، تعينت الحنطة في يمينه ، ولم يحنث بأكل غيرها .
واختلفوا في بقاء الاسم عليها ، هل يكون شرطا في عقد اليمين ، لا يقع الحنث إلا مع بقائه ؟
[ ص: 422 ] فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أن بقاء الاسم شرط في الحنث ، فإن قضمها حبا حنث ، لبقاء اسم الحنطة عليها ، وإن طحنها ، فأكلها خبزا أو دقيقا أو سويقا لم يحنث ، لزوال اسم الحنطة عنها .
فأما الشافعي فجرى على قياس مذهبه فيمن حلف لا يدخل في هذه الدار ، فصارت طريقا أنه لا يحنث ، لزوال اسم الدار عنها بعد الهدم ، كزوال اسم الحنطة عنها بعد الطحن .
وأما أبو حنيفة فناقض مذهبه في الدار ، فجعله حانثا بعد الهدم ، ولم يجعله حانثا في الطعام بعد الطحن ، وقد اشتركا في زوال الاسم .
وقال أبو يوسف ومحمد وأبو العباس بن سريج من أصحابنا : إن اليمين معقودة على العين دون الاسم ، فيحنث بأكلها خبزا ودقيقا وسويقا ، كما يحنث بقضمها حبا صحيحا ، احتجاجا بأن الاسم موضوع لتعريف اليمين .
فإذا عرفت بالتعيين سقط حكم الاسم استشهادا بما وقع الاتفاق عليه أنه لو حلف لا آكل من هذا الجمل ، فذبحه وأكل من لحمه حنث ، وإن لم يكن بعد الذبح جملا ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن المستفاد بالتعيين هو نقل الحكم من عموم المبهم إلى خصوص العين ، فإذا كان الاسم معتبرا في المبهم وجب أن يكون معتبرا في المعين .
والثاني : أن العقد اشتمل على تسمية وتعيين ، فلما كان بقاء العين شرطا وجب أن يكون بقاء الاسم شرطا .
فأما الجمل فالفرق بينه وبين الحنطة من وجهين :
أحدهما : أنه لا يمكن أكل الجمل حيا ، ويمكن أكل الحنطة حبا .
والثاني : أن الشيء منع من أكل الجمل حيا ، ولم يمنع من أكل الحنطة حبا ؛ فلهذين ما افترقا في بقاء الاسم وزواله .