مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=27920قال : مالي في سبيل الله أو صدقة على معاني الأيمان ، فمذهب
عائشة رضي الله عنها وعدة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
وعطاء [ ص: 457 ] والقياس أن عليه كفارة يمين ، وقال : من
nindex.php?page=treesubj&link=27920حنث في المشي إلى بيت الله ، ففيه قولان : أحدهما قول
عطاء : كفارة يمين ، ومذهبه أن أعمال البر لا يكون إلا ما فرض الله أو تبررا يراد به الله عز وجل ( قال
الشافعي ) والتبرر أن يقول : لله علي إن شفاني أن أحج نذرا ، فأما إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله ، فهذا من معاني الأيمان لا معاني النذور ( قال
المزني ) - رحمه الله - : قد قطع بأنه قول عدد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقياس ، وقد قال في غير هذا الموضع : لو قال لله علي نذر حج إن شاء فلان ، فشاء ، لم يكن عليه شيء ، إنما النذر ما أريد به الله عز وجل ليس على معاني المعلق والشائي غير الناذر .
قال
الماوردي : اعلم أن النذر ضربان :
أحدهما :
nindex.php?page=treesubj&link=4180نذر جزاء وتبرر ، وهو ما أوجبه على نفسه على ما أولاه الله من نعمة أو دفعه عنه من نقمة ، كقوله : إن شفى الله مريضي أو رزقني ولدا ، فلله علي أن أتصدق بمالي فيلزمه الوفاء بنذره ، ولا يجوز له العدول عنه إلى غيره ، على ما سنذكره في كتابه .
والضرب الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=4185_4186نذر نفي وإثبات خرج مخرج اليمين ، فالنفي ما التزم به نفي فعل ، كقوله : إن دخلت الدار فمالي صدقة ، ليلزم بنذره دخول الدار ، والإثبات ما التزم به إثبات فعل ، كقوله : إن لم أدخل الدار فمالي صدقة ، ليلتزم بنذره دخول الدار ، والإثبات ما التزم به النفي كقوله : إن دخلت الدار فمالي صدقة ، ليلتزم بنذره أن لا يدخل الدار إذا خالف عقد نذره وحنث فيما أوجبه على نفسه ، فقد اختلف فيه أهل العلم على ستة مذاهب :
أحدها : وهو مذهب
إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان ، أنه لا شيء عليه من صدقة ولا كفارة ؛ لأنه وصف ماله بما لا يصير موصوفا به ، فصار كقوله : إن دخلت الدار ، فمالي حرام .
والثاني : وهو مذهب
عثمان البتي أنه يلزم الوفاء بنذره ، والصدقة بجميع ماله ؛ لأنه أحد نوعي النذر كالجزاء والتبرر .
والثالث : وهو مذهب
ربيعة بن عبد الرحمن ، أنه يلزمه أن يتصدق من ماله بقدر زكاته ؛ لأن الصدقة المشروعة هي الزكاة .
والرابع : وهو مذهب
مالك يلزمه أن يتصدق بثلث ماله ؛ لأن
أبا لبابة الأنصاري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925424يا رسول الله ، أنخلع عن مالي ؟ فقال : الثلث يجزئك .
[ ص: 458 ] والخامس : وهو مذهب
أبي حنيفة يلزمه أن يتصدق بجميع الأموال المزكاة ، ولا يلزمه أن يتصدق بما ليس بمزكى .
والسادس : وهو مذهب
الشافعي ؛ أنه مخير بين أن يتصدق بجميع ماله وبين أن يكفر كفارة يمين وهو في الصحابة قول
عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة ، nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة ، وفي التابعين قول
الحسن البصري ، وعطاء بن أبي رباح ، وفي الفقهاء قول
أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي عبيد القاسم بن سلام ، وأبي ثور ، واستدل
أبو حنيفة ومن تابعه في الجملة ولم يوجب فيه كفارة يمين بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون [ التوبة : 75 ، 76 ] ، فتوعده على ترك الوفاء بنذره والوعيد يتوجه إلى ترك الواجبات ، وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من نذر نذرا سماه فعليه الوفاء به .
وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من نذر نذرا يطيقه فليف به فكان ذلك على عمومه ؛ ولأنه علق الصدقة بشرط فوجب أن يلزم بوجود الشرط كالجزاء بالتبرر ؛ ولأن كل حق لزم بنذر الجزاء والتبرر لزمه بنفي النذر والإثبات كالعتاق والطلاق ، ودليلنا عموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فكفارته إطعام عشرة مساكين إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم [ المائدة : 89 ] ، فكان محمولا على كل يمين .
وروى
عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925427كفارة النذر كفارة اليمين وهذا نص .
وروى
عبد الله بن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من نذر ولم يسم فعليه كفارة يمين ، ومن نذر ما لا يطيق فعليه كفارة يمين .
وروت
عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من حلف بالهدي أو جعل ماله في سبيل الله أو في المساكين أو في رتاج الكعبة فكفارته كفارة اليمين وهذه الأخبار كلها نص ، ولأنه بانتشاره عن سبعة من الصحابة لم يظهر خلافهم إجماع لا يجوز خلافه .
روى
عمر بن شعيب عن
سعيد بن المسيب أن أخوين من
الأنصار كان بينهما ميراث ، فقال أحدهما للآخر : قسمه ، فقال له : إن عدت بذكر القسمة لا أكلمك أبدا ، وكل مالي في رتاج
الكعبة ، فقال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن
الكعبة لغنية عن ما لك كفر عن يمينك ، وكلم أخاك ، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925430لا يمين عليك في معصية الرب ، ولا في قطيعة الرحم ، ولا فيما ليس لك .
وروى
بكر بن عبد الله المزني عن
أبي رافع قال : قالت مولاتي : لأفرقن بينك وبين امرأتك ، وكل مالي في رتاج
الكعبة ، وأنا يوم يهودية ويوم نصرانية ويوم مجوسية
[ ص: 459 ] إن لم أفرق بينك وبين امرأتك ، قال : فأتيت
ابن عمر فأخبرته ، فجاء حتى انتهى إلى الباب ، فقال هاهنا :
هاروت وماروت ، فقالت يا طيب بن الطيب ، ادخل أعوذ بالله من غضبك ، قال : أتريدين أن تفرقي بين المرء وزوجه ، قالت : إني جعلت كل مالي في رتاج
الكعبة ، وقلت : إنها يوم يهودية ، ويوم نصرانية ، ويوم مجوسية ، قال : تكفرين يمينك وتجمعين بين فتاك وفتاتك .
وروي أنها سألت
ابن عباس وأبا هريرة وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة رضي الله عنهم ، فكلهم قال لها : كفري عن يمينك وخلي بينهما ففعلته .
وروى
خلاس بن عمر أن
ابن عباس سئل عن امرأة أهدت ثوبها إن مسته ، فقال : لتكفر عن يمينها ، ولتلبس ثوبها ، وإذا كان هذا مرويا عن هذا العدد من الصحابة ، ولم يظهر خلافهم فهو إجماع قاطع ، فاعترض على هذا الإجماع ما حكاه أصحاب
أبي حنيفة عن
أبي جعفر محمد بن عبد الله الهندواني أن القول بالوفاء قول العبادلة من الصحابة .
قيل : لهم هذه دعوى يدفعها ما رويناه عن
عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وأن أحدا من نقلة السنن والآثار لم يرو خلافه .
ويدل عليه من القياس أنه حق لله تعالى يتعلق بفعله ويجب بحنثه كفارة ، فوجب أن يسقط بكفارة يمين كسائر الأيمان ، ولأن ما وجب عليه في حنثه بالله جاز أن يسقط به حكم حنثه في النذر كقوله : إن فعلت كذا وكذا فلله علي نذر .
ولأنه لو جرد نذره عن يمين لزمه الوفاء ولو جرد يمينه عن نذر لزمته الكفارة ، وهذا النذر مشترك بين الأيمان المحضة والنذور المحضة ، فوجب أن يكون الحنث فيه مشتركا بين حنث الأيمان وحنث النذور .
فأما الجواب عن الآية فهي واردة في نذر جزاء وتبرر عقده على نفسه فلم يف به ، وكذلك الجواب عن الخبرين .
وأما الجواب عن قياسهم على نذر الجزاء والتبرر ، فمن وجهين :
أحدهما : أن النذر لا لمحض معاوضة قال
أبو إسحاق المروزي ، فيجعل النذر لازما في الجزاء ولا يجعله لازما في التبرر المبتدأ .
والجواب الثاني : أن مقصود النذر طاعة الله ومقصود هذا التزام فعل أو الامتناع من فعل فلاختلافهما في المقصود ما اختلفا في الحكم ، وهذا قول من جعل نذر التبرر لازما كما كان نذر الجزاء لازما ، وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة .
وأما الجواب عن تعليق هذا النذر بالعتاق والطلاق ، فهو أنه وقوع عتق وطلاق بصفة لا يفتقر إلى استئناف عتق وطلاق - مخالف حكم تعليقه بالصدقة التي تفتقر إلى
[ ص: 460 ] فعله ، فإذا تقرر تخييره بين هذا النذر وبين الوفاء والكفارة ، فقد اختلف أصحابنا في الواجب عليه على وجهين :
أحدهما : أن الواجب عليه أحدهما وهما في الوجوب على سواء وله الخيار فيما شاء منهما .
والوجه الثاني : أن الواجب عليه الكفارة وله إسقاطهما بالنذر لأن حكم اليمين أغلب ، وهي بالله تعالى أغلظ ، وإن كان الوفاء بالنذر أفضل .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=27920قَالَ : مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى مَعَانِي الْأَيْمَانِ ، فَمَذْهَبُ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَعَطَاءٍ [ ص: 457 ] وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، وَقَالَ : مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27920حَنَثَ فِي الْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ، فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا قَوْلُ
عَطَاءٍ : كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا فَرَضَ اللَّهُ أَوْ تَبَرُّرًا يُرَادُ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ( قَالَ
الشَّافِعِيُّ ) وَالتَّبَرُّرُ أَنْ يَقُولَ : لِلَّهِ عَلَيَّ إِنْ شَفَانِي أَنْ أَحُجَّ نَذْرًا ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ أَقْضِكَ حَقَّكَ فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ ، فَهَذَا مِنْ مَعَانِي الْأَيْمَانِ لَا مَعَانِي النُّذُورِ ( قَالَ
الْمُزَنِيُّ ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - : قَدْ قُطِعَ بِأَنَّهُ قَوْلُ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقِيَاسُ ، وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ : لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرُ حَجٍّ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ ، فَشَاءَ ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، إِنَّمَا النَّذْرُ مَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى مَعَانِي الْمُعَلَّقِ وَالشَّائِي غَيْرُ النَّاذِرِ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ ضَرْبَانِ :
أَحَدُهُمَا :
nindex.php?page=treesubj&link=4180نَذْرُ جَزَاءٍ وَتَبَرُّرٍ ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا أَوْلَاهُ اللَّهُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ مِنْ نِقْمَةٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ رَزَقَنِي وَلَدًا ، فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِهِ .
وَالضَّرْبُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=4185_4186نَذْرُ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، فَالنَّفْيُ مَا الْتَزَمَ بِهِ نَفْيَ فِعْلٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ، لِيَلْزَمَ بِنَذْرِهِ دُخُولَ الدَّارِ ، وَالْإِثْبَاتُ مَا الْتَزَمَ بِهِ إِثْبَاتَ فِعْلٍ ، كَقَوْلِهِ : إِنْ لَمْ أَدْخُلِ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ، لِيَلْتَزِمَ بِنَذْرِهِ دُخُولَ الدَّارِ ، وَالْإِثْبَاتُ مَا الْتَزَمَ بِهِ النَّفْيُ كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ ، لِيَلْتَزِمَ بِنَذْرِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ إِذَا خَالَفَ عَقْدَ نَذْرِهِ وَحَنِثَ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ :
أَحَدُهَا : وَهُوَ مَذْهَبُ
إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ مَالَهُ بِمَا لَا يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِهِ ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ : إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ ، فَمَالِي حَرَامٌ .
وَالثَّانِي : وَهُوَ مَذْهَبُ
عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ يُلْزَمُ الْوَفَاءَ بِنَذْرِهِ ، وَالصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ النَّذْرِ كَالْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ .
وَالثَّالِثُ : وَهُوَ مَذْهَبُ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَشْرُوعَةَ هِيَ الزَّكَاةُ .
وَالرَّابِعُ : وَهُوَ مَذْهَبُ
مَالِكٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ
أَبَا لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925424يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْخَلِعُ عَنْ مَالِي ؟ فَقَالَ : الثُّلُثُ يُجْزِئُكَ .
[ ص: 458 ] وَالْخَامِسُ : وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الْأَمْوَالِ الْمُزَكَّاةِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا لَيْسَ بِمُزَكًّى .
وَالسَّادِسُ : وَهُوَ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ ؛ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَائِشَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=54وَأُمِّ سَلَمَةَ ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ
الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَاسْتَدَلَّ
أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَمْ يُوجِبْ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [ التَّوْبَةِ : 75 ، 76 ] ، فَتَوَعَّدَهُ عَلَى تَرْكِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ وَالْوَعِيدُ يَتَوَجَّهُ إِلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ نَذَرَ نَذْرًا سَمَّاهُ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ نَذَرَ نَذْرًا يُطِيقُهُ فَلْيَفِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الصَّدَقَةَ بِشَرْطٍ فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ كَالْجَزَاءِ بِالتَّبَرُّرِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ حَقٍّ لَزِمَ بِنَذْرِ الْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرُ لَزِمَهُ بِنَفْيِ النَّذْرِ وَالْإِثْبَاتِ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ ، وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [ الْمَائِدَةِ : 89 ] ، فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى كُلِّ يَمِينٍ .
وَرَوَى
عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925427كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهَذَا نَصٌّ .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ نَذَرَ وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنْ نَذَرَ مَا لَا يُطِيقُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ .
وَرَوَتْ
عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ حَلَفَ بِالْهَدْيِ أَوْ جَعَلَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا نَصٌّ ، وَلِأَنَّهُ بِانْتِشَارِهِ عَنْ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُمْ إِجْمَاعٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ .
رَوَى
عُمَرُ بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ
الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ : قَسِّمْهُ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ عُدْتَ بِذِكْرِ الْقِسْمَةِ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا ، وَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ
الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ
الْكَعْبَةَ لَغَنِيَّةٌ عَنْ مَا لِكَ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ، وَكَلِّمْ أَخَاكَ ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=925430لَا يَمِينَ عَلَيْكَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ ، وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ ، وَلَا فِيمَا لَيْسَ لَكَ .
وَرَوَى
بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ قَالَ : قَالَتْ مَوْلَاتِي : لَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَتِكَ ، وَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ
الْكَعْبَةِ ، وَأَنَا يَوْمٌ يَهُودِيَّةٌ وَيَوْمٌ نَصْرَانِيَّةٌ وَيَوْمٌ مَجُوسِيَّةٌ
[ ص: 459 ] إِنْ لَمْ أُفَرِّقْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَتِكَ ، قَالَ : فَأَتَيْتُ
ابْنَ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَجَاءَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَابِ ، فَقَالَ هَاهُنَا :
هَارُوتُ وَمَارُوتُ ، فَقَالَتْ يَا طَيِّبَ بْنَ الطَّيِّبِ ، ادْخُلْ أَعُوَذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ ، قَالَ : أَتُرِيدِينَ أَنْ تُفَرِّقِي بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ، قَالَتْ : إِنِّي جَعَلْتُ كُلَّ مَالِي فِي رِتَاجِ
الْكَعْبَةِ ، وَقُلْتُ : إِنَّهَا يَوْمٌ يَهُودِيَّةٌ ، وَيَوْمٌ نَصْرَانِيَّةٌ ، وَيَوْمٌ مَجُوسِيَّةٌ ، قَالَ : تُكَفِّرِينَ يَمِينَكِ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ فَتَاكِ وَفَتَاتِكِ .
وَرُوِيَ أَنَّهَا سَأَلَتِ
ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=41وَحَفْصَةَ nindex.php?page=showalam&ids=54وَأُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَكُلُّهُمْ قَالَ لَهَا : كَفِّرِي عَنْ يَمِينِكِ وَخَلِّي بَيْنَهُمَا فَفَعَلَتْهُ .
وَرَوَى
خِلَاسُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ أَهْدَتْ ثَوْبَهَا إِنْ مَسَّتْهُ ، فَقَالَ : لِتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا ، وَلِتَلْبَسْ ثَوْبَهَا ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَرْوِيًّا عَنْ هَذَا الْعَدَدِ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُمْ فَهُوَ إِجْمَاعٌ قَاطِعٌ ، فَاعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْإِجْمَاعِ مَا حَكَاهُ أَصْحَابُ
أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهُنْدُوَانِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوَفَاءِ قَوْلُ الْعَبَادِلَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ .
قِيلَ : لَهُمْ هَذِهِ دَعْوَى يَدْفَعُهَا مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَنَّ أَحَدًا مِنْ نَقَلَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ لَمْ يَرْوِ خِلَافَهُ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ وَيَجِبُ بِحِنْثِهِ كَفَّارَةٌ ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ كَسَائِرِ الْأَيْمَانِ ، وَلِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حِنْثِهِ بِاللَّهِ جَازَ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ حُكْمُ حِنْثِهِ فِي النَّذْرِ كَقَوْلِهِ : إِنْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ .
وَلِأَنَّهُ لَوْ جَرَّدَ نَذْرَهُ عَنْ يَمِينٍ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ وَلَوْ جَرَّدَ يَمِينَهُ عَنْ نَذْرٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ، وَهَذَا النَّذْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْأَيْمَانِ الْمَحْضَةِ وَالنُّذُورِ الْمَحْضَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحِنْثُ فِيهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حِنْثِ الْأَيْمَانِ وَحِنْثِ النُّذُورِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي نَذْرِ جَزَاءٍ وَتَبَرُّرٍ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَفِ بِهِ ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرَيْنِ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نَذْرِ الْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ النَّذْرَ لَا لِمَحْضِ مُعَاوَضَةٍ قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ ، فَيَجْعَلُ النَّذْرَ لَازِمًا فِي الْجَزَاءِ وَلَا يَجْعَلُهُ لَازِمًا فِي التَّبَرُّرِ الْمُبْتَدَأِ .
وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ مَقْصُودَ النَّذْرِ طَاعَةُ اللَّهِ وَمَقْصُودَ هَذَا الْتِزَامُ فِعْلٍ أَوِ الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلٍ فَلِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مَا اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَعَلَ نَذْرَ التَّبَرُّرِ لَازِمًا كَمَا كَانَ نَذْرُ الْجَزَاءِ لَازِمًا ، وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ تَعْلِيقِ هَذَا النَّذْرِ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ ، فَهُوَ أَنَّهُ وُقُوعُ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ بِصِفَةٍ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى اسْتِئْنَافِ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ - مُخَالِفٌ حُكْمَ تَعْلِيقِهِ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي تَفْتَقِرُ إِلَى
[ ص: 460 ] فِعْلِهِ ، فَإِذَا تَقَرَّرَ تَخْيِيرُهُ بَيْنَ هَذَا النَّذْرِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ وَالْكَفَّارَةِ ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا وَهُمَا فِي الْوُجُوبِ عَلَى سَوَاءٍ وَلَهُ الْخِيَارُ فِيمَا شَاءَ مِنْهُمَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَلَهُ إِسْقَاطُهُمَا بِالنَّذْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْيَمِينِ أَغْلَبُ ، وَهِيَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَغْلَظُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ أَفْضَلَ .