الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والضرب الثاني : أن يفطر فيها بعذر ، والأعذار التي يستباح بها الفطر أربعة : الحيض ، والنفاس ، وهما مختصان بالنساء دون الرجال ، فأما الحيض فلا يبطل تتابع الصوم سواء كان مستحقا بالشرط ، أو الزمان لأنه معهود ، ولا يمكن التحرز منه ، وفي وجوب قضاء أيام الحيض قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجب قضاؤها ، لاستثنائها بالشرع كاستثناء رمضان والعيدين وأيام التشريق .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يجب قضاؤها كما أوجبه الشرع من قضاء أيام الحيض في صوم [ ص: 492 ] الفرض ، وخالف ما عداه من الأيام المستثناة لعموم استثنائها في حق كل نادر ، وخصوص استثناء الحيض في حق الحائض ، وحكم الفطر بالنفاس كحكم الفطر بالحيض ، وإن خالفه في اشتراكهما في أحكام الحظر والإباحة .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد جعلتم قضاء أيام الحيض موجبا لدخوله في نذرها ، ولو نذرت صيام أيام حيضها ، بطل نذرها ، ولم يلزمها القضاء ، فهلا كانت هذه كذلك !

                                                                                                                                            قيل : لأن إفرادها بالنذر يجعله معقودا على معصية ، فيبطل ، ولا يجعله إذا دخل في العموم معقودا على معصية فلزم .

                                                                                                                                            وأما الفطر بالمرض فلا يبطل به التتابع المستحق بالزمان ، وفي إبطاله التتابع المستحق بالشرط قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يبطل به كما لا يبطل بالحيض ، لأنه عذر لا يمكن الاحتراز منه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يبطل به التتابع ، وإن لم يبطل بالحيض ، لأن فطر الحيض معهود ، وفطر المرض نادر .

                                                                                                                                            فإن قيل : بأنه يبطل التتابع لزمه أن يستأنف قضاء سنة كاملة إلا شهر رمضان ، والخمسة المحرمة .

                                                                                                                                            وإن قيل : إنه غير مبطل للتتابع كالحيض ، ففي وجوب قضاء ما أفطر بالمرض قولان كالفطر بالحيض .

                                                                                                                                            وأما الفطر بالسفر ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه كالمرض لاشتراكهما في إباحة الفطر شرعا ، فيكون الفطر به كالفطر بالمرض .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه كالفطر بغير عذر ، لقدرته على الصيام ، فخالف المرض العاجز عنه ، فيكون الفطر به كفطر غير المعذور .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية