الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .

[100] والسابقون الأولون من المهاجرين الذين صلوا إلى القبلتين، وهم الذين هجروا قومهم، وفارقوا أوطانهم.

والأنصار أهل بيعة العقبة الأولى وكانوا سبعة، وأهل بيعة العقبة الثانية وكانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير يعلمهم القرآن، فأسلم معه خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان.

قرأ يعقوب: (والأنصار) برفع الراء عطفا على قوله: (والسابقون)، والأنصار: هم الذين نصروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أعدائه، وآووا أصحابه.

والذين اتبعوهم بإحسان هم بقية المهاجرين والأنصار، أو من استن بهم إلى يوم القيامة.

رضي الله عنهم لطاعتهم ورضوا عنه لإفاضته عليهم الخير.

وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار قرأ ابن كثير: (من تحتها) [ ص: 234 ] بزيادة كلمة (من)، وخفض: (تحتها)، وكذلك هي في المصاحف المكية، وقرأ الباقون بحذف لفظة (من)، وكذلك هي في مصاحفهم، واتفقوا على إثبات (من) قبل (تحتها) في سائر القرآن، قال ابن الجزري في "النشر": ويحتمل أنه إنما لم يكتب (من) في هذا الموضع؛ لأن المعنى: ينبع الماء من تحت أشجارها، لا أنه يأتي من موضع ويجري تحت هذه الأشجار، فلاختلاف المعنى خولف في الخط، وتكون هذه الجنات معدة لمن ذكر تعظيما لأمرهم، وتنويها بفضلهم، وإظهارا لمنزلتهم لمبادرتهم لتصديق هذا النبي الكريم عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل التسليم، ولمن تبعهم بالإحسان والتكريم، والله أعلم، انتهى.

خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ومعنى هذه الآية الحكم بالرضا عنهم بإدخالهم الجنة، وغفر ذنوبهم، والحكم برضاهم عنه في شكرهم وحمدهم على نعمه، جعلنا الله منهم برحمته.

واختلف في أول من آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد امرأته خديجة رضي الله عنها، مع اتفاقهم على أنها أول من آمن به، فقيل: علي بن أبي طالب، وهو ابن عشر سنين، وقيل: أبو بكر، وقيل: زيد بن حارثة، وكان إسحق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأخبار فيقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن العبيد زيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين. [ ص: 235 ]

وأكبر التابعين: الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وهم: عبيد الله بن عتبة بن مسعود، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود الصحابي، وعروة بن الزبير بن العوام أخو عبد الله بن الزبير الذي تولى الخلافة، وقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وكان من أفضل أهل زمانه، وسعيد بن المسيب القرشي، قال عنه الإمام أحمد رضي الله عنه: إنه أفضل التابعين، وسليمان بن سلمة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الحارث المخزومي القرشي، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، وأبوه زيد بن ثابت من أكابر الصحابة، وهؤلاء السبعة هم الذين انتشر عنهم الفقه والفتيا، وقد نظم بعض الفضلاء أسماءهم في بيت واحد فقال:


ألا كل من لا يقتدي بأئمة فقسمته ضيزى عن الحق خارجه     فخذهم عبيد الله عروة قاسم
سعيد سليمان أبو بكر خارجه



* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية