الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1633 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذان تابعيان معهما من القدم ومن الصحبة لجماعة من أصحاب رسول الله - عليه السلام - ما ليس للذي يخالفهما ممن ذكرنا في هذا الباب، فالذي روينا عنهما في ذلك أولى; لاقتدائهما بمن قبلهما ولموافقتهما لما قد ثبت عن رسول الله - عليه السلام - في ذلك، وهذا أيضا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بـ"هذان" إلى سعيد بن المسيب وابن أبي ليلى أراد أنهما من قدماء التابعين، وممن صحبا جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -.

                                                [ ص: 527 ] بيان الأول: أن ميلاد سعيد بن المسيب قد كان لسنتين مضتا من خلافة عمر - رضي الله عنه - وقيل: لأربع، ووفاته كانت في سنة أربع وسبعين من الهجرة.

                                                وميلاد ابن أبي ليلى كان لست بقين من خلافة عمر - رضي الله عنه -، ووفاته كانت في سنة ثلاث وثمانين من الهجرة.

                                                وأما الحسن البصري فإن ميلاده كان لسنتين بقيتا من خلافة عمر - رضي الله عنه -، ووفاته كانت في سنة عشر ومائة.

                                                وأما محمد بن سيرين فإن ميلاده كان لسنتين بقيتا من خلافة عثمان - رضي الله عنه -، ووفاته كانت في سنة عشر ومائة أيضا.

                                                وأما عمر بن عبد العزيز فإن ميلاده كان في سنة إحدى وستين من الهجرة، ووفاته كانت في سنة إحدى ومائة من الهجرة.

                                                وبيان الثاني: أن سعيد بن المسيب كان زوج ابنة أبي هريرة، وكان أعلم الناس بحديثه، وكان أبو هريرة أكثر الصحابة حديثا، وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أنبل من سعيد بن المسيب، وهو أثبتهم في أبي هريرة. وقال قتادة: ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب. وقال سليمان بن موسى: كان سعيد بن المسيب أفقه التابعين. ويقال له: سيد التابعين، وقد قال الإمام أحمد: سعيد بن المسيب أفضل التابعين. وقد قال الحاكم: إنه أدرك العشرة. وهو وهم.

                                                وروى عن عمر كثيرا، وعن عثمان ، وعلي ، وسعد ، وأبي هريرة ، وأبي بن كعب ، وأنس بن مالك ، والبراء بن عازب ، وبلال ، وجابر بن عبد الله ، وجبير بن مطعم ، وحسان بن ثابت ، وحكيم بن حزام ، وزيد بن ثابت ، وزيد بن خالد الجهني ، وسراقة بن مالك ، وصهيب ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرو ، والمسور بن مخرمة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي الدرداء ، وأبي ذر ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي قتادة ، وأبي موسى الأشعري، وعائشة [ ص: 528 ] أم المؤمنين، وأم سلمة زوج النبي - عليه السلام -، وأم شريك، وأسماء بنت عميس، وآخرين كثيرين من الصحابة.

                                                وأما ابن أبي ليلى فإنه أيضا أدرك كثيرا من الصحابة، وقال عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي - عليه السلام - كلهم من الأنصار. وقال عبد الملك بن عمير: لقد رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب النبي - عليه السلام - يستمعون لحديثه وينصتون له، فيهم البراء بن عازب .

                                                قوله: "فالذي روينا عنهما" أي عن سعيد بن المسيب وابن أبي ليلى "في ذلك" أي في التسليم مرتين أولى; لاقتدائهما بمن قبلهما من الصحابة الذين روي عنهم أن التسليم مرتان.

                                                قوله: "ولموافقتهما" أي ولأجل موافقة سعيد بن المسيب وابن أبي ليلى لما قد ثبت عن رسول الله - عليه السلام - من أن التسليم مرتان، ولا شك أن الأخذ بما يوافق ما ثبت عن النبي - عليه السلام - أولى وأحق من الأخذ بما لا يوافقه، وهذا ظاهر لا نزاع فيه، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية