الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمقصود هنا أن ما قام بذاته لا يسميه أحد منهم مخلوقا، سواء كان حادثا أو قديما.

وبهذا يظهر احتجاج عبد العزيز على بشر، فإن بشرا من أئمة الجهمية نفاة الصفات، وعنده لم يقم بذات الله تعالى صفة لا فعل [ ص: 256 ] ولا قدرة ولا كلام ولا إرادة بل ما ثم عنده إلا الذات المجردة عن الصفات والمخلوقات المنفصلة عنها، كما تقول ذلك الجهمية من المعتزلة وغيرهم ؛ فاحتج عليه عبد العزيز بحجتين عقليتين:

إحداهما: أنه إذا كان كلام الله مخلوقا ولم يخلقه في غيره ولا خلقه قائما بنفسه: لزم أن يكون مخلوقا في نفس الله، وهذا باطل.

والثانية: أن المخلوقات المنفصلة عن الله خلقها الله بما ليس من المخلوقات: إما القدرة - كما أقر به بشر - وإما فعله وأمره وإرادته - كما قاله عبد العزيز - وعلى التقديرين: ثبت أنه كان قبل المخلوقات من الصفات ما ليس بمخلوق، فبطل أصل قول بشر والجهمية: إنه ليس لله صفة، وإن كل ما سوى الذات المجردة فهو مخلوق. وتبين أن الذات يقوم بها معان ليست مخلوقة.

وهذا حجة مثبتة الصفات القائلين بأن القرآن كلام الله غير مخلوق على من نفى الصفات وقال بخلق القرآن، فإن كل من نفى الصفات لزمه القول بخلق القرآن.

يبقى كلام أهل الإثبات فيما يقوم بذاته: هل يجوز أن يتعلق شيء منه بمشيئته وقدرته أم لا؟ وهل عبد العزيز ممن يجوز أن يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته وقدرته، أو ممن يقول: لا يكون المراد المقدور إلا منفصلا عنه مخلوقا؟ ويجعل المقدور هو المخلوق، وهما في الأصل قولان معروفان ذكرهما الحارث المحاسبي وغيره عن أهل السنة حسبما تقدم إيراده.

وهذا القول الثاني هو قول ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما من [ ص: 257 ] أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وغيرهم.

والقول الأول: هو قول أئمة أهل الحديث والهشامية والكرامية وطوائف من أهل الكلام من المرجئة.

كأبي معاذ التومني وزهير الأثري وغيرهم ومن وافق هؤلاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم.

فقد يقول القائل: إن عبد العزيز موافق لابن كلاب، لأنه قال: إن الله لا يكون مكانا للحوادث، ولا يكون فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصا فيزيد فيه شيء إذا خلقه، لكن إذا تدبر المتدبر سائر كلام عبد العزيز وجده من أهل القول الأول: قول أهل الحديث، لأنه قال بعد هذا لبشر: بأي شيء حدثت الأشياء؟ قال: أحدثها الله بقدرته التي لم تزل، قال عبد العزيز: فقلت له: إنه قد أحدثها بقدرته كما ذكرت، أفلست تقول: إنه لم يزل قادرا؟ قال: بلى، فقلت له: فتقول إنه لم يزل يفعل؟ قال: لا أقول هذا، قلت: فلا بد أن يلزمك أن تقول: إنه خلق بالفعل الذي كان بلا قدرة ؛ لأن القدرة صفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية