الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وإذا ارتد أحد المتفاوضين ولحق بدار الحرب ; انقطعت المفاوضة بينهما ) لأن القاضي لما قضى بلحاقه بدار الحرب حتى يقسم ماله بين ورثته ، والمفاوضة تبطل بالموت حقيقة ، فكذلك إذا فقد موته حكما ، ولأنه صار حربيا ، ولا عصمة بين الحربي في دار الحرب والسلم في دار الإسلام . ألا ترى أن ابتداء المفاوضة بينهما لا يجوز ، وكذلك لا يبقى ، وإن رجع مسلما قبل أن يقضي القاضي بلحاقه ; كان على الشركة لأن اللحاق بدار الحرب قبل أن يتصل به قضاء القاضي بمنزلة الغيبة ; فلا تقطع الشركة ، ولأنه بمنزلة التوكيل لصاحبه ، والوكالة لا تبطل بردة الوكيل ولحاقه ، ما لم يقض القاضي به ، وكذلك المفاوضة وشركة العنان . فإن حكم الحاكم بلحاقه بدار الحرب ثم رجع مسلما ; فلا شركة بينهما لأنها قد انقطعت بتمويت القاضي إياه حين قضى بلحاقه . وفي ردة الوكيل والموكل اختلاف وكلام قد بيناه في كتاب الوكالة . قال : ( وإذا ارتد ولم يلتحق بدار الحرب ، ثم أقر بدين ثم قتل على ردته ; لم يلزمه ذلك الدين في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى ) ; [ ص: 213 ] لأن الإقرار تصرف منه في حال ردته ، وكان موقوفا عنده ، ويبطل إذا قتل - كسائر تصرفاته - وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يلزمه كما يلزم شريك العنان ; لأن عندهما : شركة العنان تصح من المرتد ، فكذلك تبقى بعد ردته . وأما المفاوضة فتوقف من المرتد عندهما إذا باشره ابتداء . وكذلك إذا ارتد بعد المفاوضة يتوقف من المرتد عندهما تلك الزيادة ، فإذا قتل أو لحق بدار الحرب ; بطلت الزيادة . وإنما بقيت شركة العنان بينهما إلى وقت موته .

التالي السابق


الخدمات العلمية