الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثامنة : أن لا تكون من القرابة القريبة فإن ذلك يقلل الشهوة قال صلى الله عليه وسلم : لا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاويا .

أي : نحيفا وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر ، واللمس وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد فأما المعهود الذي دام النظر إليه مدة فإنه يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به ولا تنبعث به الشهوة فهذه هي الخصال المرغبة في النساء ويجب على الولي أيضا أن يراعي خصال الزوج ولينظر لكريمته فلا ، يزوجها ممن ساء خلقه ، أو خلقه أو ضعف دينه أو قصر عن القيام بحقها أو كان لا يكافئها في نسبها قال صلى الله عليه وسلم : النكاح رق فلينظر أحدكم أين يضع كريمته .

والاحتياط في حقها أهم لأنها رقيقة بالنكاح ، لا مخلص لها والزوج قادر على الطلاق بكل حال ومهما زوج ابنته ظالما ، أو فاسقا ، أو مبتدعا ، أو شارب خمر ، فقد جنى على دينه ، وتعرض لسخط الله لما قطع من حق الرحم ، وسوء الاختيار .

وقال رجل للحسن قد خطب ابنتي جماعة ، فمن أزوجها ؟ قال ممن يتقي الله فإن ، أحبها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها .

وقال صلى الله عليه وسلم : من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها .

التالي السابق


(الثامنة: أن تكون من القرابة القريبة) ، بحيث يكون مربى كل منهما في موضع قريب يقع البصر على البعض، (فإن ذلك) مما (يقلل الشهوة) ، وهو من أكبر دواعي التقليل، وقيد القرابة بالقريبة; لأن من بعد في القرابة لا يكون كذلك، (قال [ ص: 349 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تنكحوا القرابة القريبة، فإن الولد يخلف ضاويا) أصله: ضاووي، ووزنه: فاعول، (أي: نحيفا) قليل الجسم، وجارية ضاوية كذلك، كذا في الصحاح، قال ابن الصلاح: لم أجد لهذا الحديث أصلا معتمدا، قال العراقي: إنما يعرف من قول عمر: أنه قال لآل السائب: قد أضويتم فانكحوا في النزائع، رواه إبراهيم الحربي في غريب الحديث، وقال معناه: تزوجوا الغرائب، قال: ويقال: اغتربوا لا تضووا، وللطبراني من حديث طلحة بن عبد الله: الناكح في قومه كالمعشب في داره، وفي إسناده: سليمان بن أيوب الطلحي، قال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابعه عليها أحد، ورواه يعقوب بن شيبة في مسنده، وقال: أحاديثه عندي صحاح، ورجحها الضياء المقدسي في المختارة، اهـ .

قلت: وفي الصحاح للجوهري في الحديث: اغتربوا لا تضووا، أي: تزوجوا في الأجنبيات، ولا تتزوجوا في العمومة، وذلك أن العرب تزعم أن ولد الرجل من قرابته، يجيء ضاويا نحيفا، غير أنه يجيء كريما على طبع قومه، قال الشاعر:

ذاك عبيد قد أصاب ميا * ياليته ألحقها صبيا

*

فحملت فولدت ضاويا

اهـ .

وما رواه إبراهيم الحربي رواه أبو نعيم في فضل النفقة على البنات، كذا بخط الحافظ ابن حجر، قال المصنف في سبب الضوي: (وذلك لتأثيره في تضعيف الشهوة) وتقليلها، (فإن الشهوة مما تنبعث بقوة الإحساس بالنظر، واللمس) ، والغمز، (وإنما يقوى الإحساس بالأمر الغريب الجديد) ، الذي لم يقع عليه البصر، وإنما يسمع به من بعيد، (فأما المعهود) المعلوم (الذي دام النظر إليه) ورآه مقبلا ومدبرا، وصاحبه وكالمه (مدة) من الزمان، فقد (يضعف الحس عن تمام إدراكه والتأثر به) ، وقد تزهد النفس وتمل منه كالذي ملكته يده، (فلا تنبعث به الشهوة) ، وهذا معروف عند العرب، بل يعرفه كل أحد، وفي كلام العرب ما يدل على ذلك، (فهذه الخصال) المذكورة (هي المرغبة في النساء) ، أي: في تزويجهن، (ويجب على الولي) ، أي: ولي المخطوبة، (أن يراعي خصال الزواج، وينظر إلى كريمته) ، وهي المخطوبة، (فلا يزوجها ممن ساء خلقه، أو خلقه) ، الأولى بالضم، والثانية بالفتح، (أو ضعف دينه) أي: بأن يكون متهاونا بأموره، (أو قصر عن القيام بحقها) ، أي: المرأة، (أو كان لا يكافئها في نسبها) ، وخصال الكفاءة عند الشافعية تعتبر في خمسة: سلامة من عيب نكاح، وحرية، ونسب، وعفة دين وصلاح، وحرفة، ولا يعتبر اليسار، وقال الحنابلة: الكفاءة دين، ومنصب، والنسب، وحرفة، وصناعة، ويسار بمال بحسب ما يجب لها، وقال الحنفية: الكفاءة تعتبر نسبا، وحرية، وإسلاما، وديانة، ومالا، وحرفة; لأن بهذه الأشياء يقع التفاخر فيما بينهم، فلا بد من اعتبارها، وتعتبر الكفاءة عند ابتداء العقد، وزوالها بعد ذلك لا يضر، وكذلك تعتبر الكفاءة في العقل، والحسب، (قال -صلى الله عليه وسلم-: النكاح رق) ، أي: بمنزلته، وقد ورد في الخبر تعبيرهن بالعواني هن الأسارى، (فلينظر أحدكم أين يضع كريمته) ، قال العراقي: رواه أبو عمر النوقاني في كتاب معاشرة الأهلين، موقوفا على عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق، قال البيهقي: وروي ذلك مرفوعا والموقوف أصح اهـ .

(والاحتياط في حقها أهم) من الاحتياط في حق الرجل; (لأنها رقيقة بالنكاح، لا مخلص لها) عن طاعة الزوج، (والزوج قادر على الطلاق بكل حال) ، فهو قد يستغني عنها بغيرها، (ومهما زوج ابنته) أو أخته أو قريبته (ظالما، أو فاسقا، أو مبتدعا، أو شارب خمر، فقد جنى على دينه، وتعرض لسخط الله تعالى بما يقطع من حق الرحم، وسوء الاختيار) ولفظ القوت: ولا ينكح مبتدع، ولا فاسق، ولا ظالم، ولا شارب خمر، فمن فعل ذلك ثلم دينه، وقطع رحمه، ولم يحسن الولاية والحيطة لكريمته; لترك الاختيار لها، وليس هؤلاء أكفاء للحرة المسلمة العفيفة، وعليه للمرأة في نفسها مظلمة، ولا عليه في الآخرة مطالبة إذا لم يحسن النظر إليها في نفسها، اهـ .

(وقال رجل للحسن) البصري (رحمه الله تعالى قد خطب ابنتي جماعة، فمن أزوجها؟ قال) : زوجها (ممن يتقي الله، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها) نقله صاحب القوت .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها) ، قال العراقي: رواه ابن حبان في الضعفاء، من حديث أنس، ورواه في الثقات من قول الشعبي بإسناد صحيح، اهـ .

[ ص: 350 ] قلت: وروى الديلمي من حديث ابن عباس: من زوج ابنته أو واحدة ممن يشرب الخمر فكأنما قادها إلى النار.




الخدمات العلمية